- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
مما لا شك فيه أن الله تعالى قد خلق للإنسان لسانا واحدا وأذنين، وقد ذكر بعض العلماء أن ذلك ليستمع العبد أكثر مما يتكلم.
اسمع مخاطبة الجليس ولا تكن عجـلا بنطقـك قبلما تتفهـم
لم تعط مع أذنيك نطـقـا واحـدا إلا لتسمع ضعف ما تتكلم
ولا شك أن العقلاء يتفقون على أنه من حسن الأدب ومن مكارم الأخلاق حسن الإصغاء للمتكلم. وإنك لتعجب حين ترى بعض الناس حريصا على تعلم مهارات وفنون التحدث أمام الناس بينما لا يهتمون بتعلم مهارات الاستماع الجيد.
يقول إيليا أبوماضي:
إن بعض القول فن فاجعل الإصغاء فنا
تــك كالحقــل يـــرد الكيـل للزراع طنــا
منزلة السماع:
قال ابن القيم- رحمه الله تعالى-: (أمر الله بالسماع في كتابه، وأثنى على أهله، وأخبر أن البشرى لهم، فقال تعالى: {واتقوا الله واسمعوا} (المائدة/ 108) . وقال: {واسمعوا وأطيعوا} (التغابن/ 16) .
وقال: {ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم} (النساء/ 46) . وقال: {فبشر عباد* الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب} (الزمر/ 17- 18) . وقال: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (الأعراف/ 204) . وقال: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} (المائدة/ 83) .
وجعل السماع منه والسماع منهم دليلا على علم الخير فيهم، وعدم ذلك دليلا على عدم الخير فيهم. فقال: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} (الأنفال/ 23) .
وأخبر عن أعدائه أنهم هجروا السماع ونهوا عنه. فقال: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه }(فصلت/ 26) .
فالسماع رسول الإيمان إلى القلب وداعيه ومعلمه. وكم في القرآن من قوله أفلا يسمعون؟ وقال: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها} (الحج/ 46) الآية.
فالسماع أصل العقل، وأساس الإيمان الذي انبنى عليه. وهو رائده وجليسه ووزيره).
وهذا خير البشر وسيدهم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام كان يستمع إلى محدثه وينصت إليه باهتمام شديد ولا يقاطعه حتى يفرغ من كلامه، فحين أرسلت قريش عتبة بن ربيعة - وهو رجل رزين هادئ - ليرده عن دعوته أنصت إليه النبي صلى الله عليه وسلم باهتمام شديد حتى إذا فرغ من قوله تماما تلا رسول الله عليه الصلاة والسلام صدر سورة فصلت.
ويجلس صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها فتقص عليه خبر إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، فينصت إليها ولا يقاطعها حتى إذا فرغت قال لها: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع".
حسن الاستماع أساس الانتفاع:
كان من وصايا الصالحين والحكماء لمن ينصحونهم أن يحسنوا الاستماع لينتفعوا، قال الحسن بن علي رضي الله عنه مؤدبا ابنه: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ولا تقطع على أحد حديثا وإن طال حتى يمسك.
وقال الله تعالى في آياته المشهودة: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص* إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} (ق/ 36- 37) . قال ابن القيم- رحمه الله-: (الناس ثلاثة: رجل قلبه ميت. فذلك الذي لا قلب له. فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.
الثاني: رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة، التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة: إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها. فهو غائب القلب، ليس حاضرا. فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه.
والثالث: رجل حي القلب مستعد. تليت عليه الآيات. فأصغى بسمعه، وألقى السمع وأحضر قلبه.
ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه. فهو شاهد القلب. ملق السمع. فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.
فالأول بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر.
والثاني بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثالث بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره وقابله على توسط من البعد والقرب. فهذا هو الذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصدور).
حسن الاستماع للخطبة سبب للمغفرة:
عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر:
رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله- عز وجل-: إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله- عز وجل- يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}(الأنعام/ 160)".
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام".
بحسن الاستماع يحبك الناس ويمدحونك:
إن الناس عادة يحبون من يستمع إليهم ويظهر اهتمامه بحديثهم ويقدر آراءهم.
قال بعض الكتاب: (لم أجد أسهل جهدا ولا أحسن تأثيرا في تملك قلوب الناس من الإنصات إليهم، والإنصات إلى الناس يجذبهم إلينا وهو من أكثر الوسائل التي تظهر احترامنا للطرف الآخر).
قال الشعبي فيما يصف به عبد الملك بن مروان: والله ما علمته إلا آخذا بثلاث... آخذا بحسن الحديث إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المؤونة إذا خولف.
وقالت الحكماء: رأس الأدب كله حسن الفهم والتفهم والإصغاء للمتكلم.
و قالوا: من حسن الأدب أن لا تغالب أحدا على كلامه، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه وإذا حدث بحديث فلا تنازعه إياه، ولا تقتحم عليه فيه ولا تره أنك تعلمه، وإذا كلمت صاحبك فأخذته حجتك فحسن مخرج ذلك عليه، ولا تظهر الظفر به وتعلم حسن الاستماع، كما تعلم حسن الكلام.
ومن عجيب أمر عطاء بن رباح رحمه الله ما أخبر به معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح، فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه، فقال عطاء: سبحان الله! ما هذه الأخلاق؟! ما هذه الأخلاق؟! إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به، فأريه أني لا أحسن منه شيئا.
قال أبو تمام:
من لي بإنسـان إذا خاصـمته وجهلت كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بسمعه وبـقـلـبـه ولـعـلــه أدرى بـه