- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم
الرؤى تنقسم إلى ثلاثة أقسام: رؤيا حق من الله عز وجل: وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، ورؤيا باطلة: فهي أضغاث أحلام من تهويل الشيطان وتحزينه لابن آدم، فلا ينبغي تعبيرها ولا التحدث بها، والثالثة: ما يحدث به الرجل نفسه ويهتم به في اليقظة فيراه في منامه. ورؤيا جميع الأنبياء وحي وحق، وفيها فوائد نافعة وثمرات طيبة، وهي جزء من أجزاء النبوة. عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن به ابن آدم، ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وقد ذكر أهل العلم أن رؤيا الأنبياء وحي، ونقل الإجماع عليه الهيثمي في فتاواه، وعن عبيد بن عمير أنه قال: "(رؤيا الأنبياء وحي)، ثم قرأ: {إني أرى في المنام أني أذبحك}(الصافات:102)"، وقال ابن عبد البر: "حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسيني قال: حدثنا الطحاوي قال: حدثنا المزني قال: سمعت الشافعي يقول: رؤيا الأنبياء وحي، وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "رؤيا الأنبياء وحي"، وتلا: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر}(الصافات:102)". ونقل النووي من كلام الخطابي في شرح (الرؤيا جزء من النبوة): "هذا توكيد لأمر الرؤيا، وتحقيق منزلتها، وقال: وإنما كانت جزءا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم، وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يوحى إليهم في منامهم، كما يوحى إليهم في اليقظة".
ومن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم والتي فيها الكثير من المعاني الهامة والفوائد والعظات النافعة، ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ (يشق) رأسه، فيتدهده (يتدحرج) الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر (يقطع) شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه - قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق - قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور - قال: وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات ـ، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا (صاحوا وارتفعت أصواتهم)، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا، فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر (يفتح) له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة (المنظر)، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، فإذا عنده نار يحشها (يوقدها) ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة (طويلة وكثيرة النبات شديدة الخضرة)، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق فيها، قال: فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض (اللبن) في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك، قال: فسما (ارتفع) بصري صعدا أو صعدا (ارتفاعا كثيرا)، فإذا قصر مثل الربابة (السحابة) البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله.
قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني. وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا. وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم. وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم) رواه البخاري.
هذه الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من الفوائد والعظات والمعاني الهامة، قال ابن حجر في ذكر بعض الفوائد منها: ".. وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البرزخ، وفيه نوع من تلخيص العلم وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء ليجتمع تصورها في الذهن، والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وعن رفض القرآن من يحفظه، وعن الزنا، وأكل الربا، وتعمد الكذب، وأن الذي له قصر في الجنة لا يقيم فيه وهو في الدنيا بل إذا مات حتى النبي والشهيد، وفيه الحث على طلب العلم واتباع من يلتمس منه ذلك، وفيه فضل الشهداء وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه السلام لاحتمال أن إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء.. وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم ـ اللهم تجاوز عنا برحمتك يا أرحم الراحمين ـ، وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها، واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا، وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم، وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره بل يشرع كالخطيب، قال الكرماني: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات ظاهرة، إلا الزناة ففيها خفاء وبيانه أن العري فضيحة كالزنا، والزاني من شأنه طلب الخلوة فناسب التنور ثم هو خائف حذر حال الفعل كأن تحته النار، وقال أيضا: الحكمة في الاقتصار على من ذكر من العصاة دون غيرهم أن العقوبة تتعلق بالقول أو الفعل، فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال، والثاني إما بدني وإما مالي، فذكر لكل منهم مثال ينبه به على من عداه، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب..".
السيرة النبوية مليئة بالأحاديث والمواقف المتعلقة بالرؤى من تعظيم شأنها، وأنها من أجزاء النبوة، وأنها من المبشرات الباقيات بعد النبوة. قال ابن حجر: "وقد استشكل كون الرؤيا جزءا من النبوة مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل في الجواب: إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز، وقال الخطابي: قيل معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة".
ومع ذلك ينبغي علينا أن نعلم أنه لا يجوز الجزم والقطع بتفسير معين للرؤيا، ولا بناء الأحكام والمواقف والتصرفات عليها، فهي ـ الرؤى الصالحة ـ مبشرات تبعث الأمل ويتفاءل بها، ولا يترتب ولا يبني عليها أحكام شرعية، أو اعتقادات دينية، أو تصورات وأفعال بدعية مخالفة للسنة النبوية، لأن الاعتقادات والعبادات أمر توقيفي مبني على الوحي ـ القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة فقط ـ، وقد ضل بعض الناس في هذا الأمر فجعلوا الرؤى مصدر تشريع، وقد أنكر عليهم العلماء ذلك. قال الشاطبي: "وربما قال بعضهم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي كذا وأمرني بكذا، فيعمل بها ويترك بها، معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ، لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعا على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سوغتها عمل بمقتضاها، وإلا وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا".