الطريق إلى المغفرة.. في شعبان

0 297

بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد سبب كثرة صيامه في شهر شعبان بقوله: (وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) (رواه أحمد وابن حبان وحسنه الألباني)...
فكأنها دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لنا:
. أن نكثر فيه جدا من العبادات والطاعات وفعل الخيرات.
. وأن نترك السيئات، ونتجنب القبائح، ونهجر الخطيئات.
. وأن نخلص في الأعمال، ونتقنها ونحفظها من شوائب العيب وموانع القبول، وأسباب الرد.
. وأن نكثر الدعاء إلى الله أن يتقبل منا ويعفوا عنا.

عرض القلوب على الله
وكما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن أعمالنا ترفع إلى الله في شعبان، أخبرنا كذلك أن قلوبنا تعرض عليه، فيتفضل على كل قلب موحد طاهر من الشرك، وكل قلب نقي خال من البغضاء والحقد.. بالعفو والمغفرة؛ فقد روى ابن حبان والطبراني عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن) [رواه الطبراني وابن حبان].

والمغفرة هنا يقصد بها المؤمنون، كما بين ذلك في حديث أبي ثعلبة الخشني قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان؛ فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه)(حسنه الألباني في صحيح الجامع).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم العفو معلقا بأمرين: طهارة القلب عن الشرك، وسلامته من البغضاء والحقد والغل.

فهي دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لمراقبة الإيمان، ومراجعة التوحيد، وصيانة القلوب من كل شوائب الشرك: كالتعلق بالأموات، وساكني الأضرحة وأصحاب القبور، وحمايتها عن دعاء من لا يملك شيئا، ولا يقدر على جلب نفع أو دفع ضر.

كما إنها دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم أيضا للمحبة والتآلف والمودة والتعاطف، وتنقية القلوب من أوضارها، ونبذ الضغائن ورفع الأحقاد.

إنها رسالة لكل من كانت بينه وبين إخوانه وأشقائه شحناء أو قطيعة بسبب ميراث أو خلاف دنيوي. ولمن كانت بينه وبين جاره في السكن مشاكل بسبب الأولاد أو مشاكل الجوار. ولمن كانت بينه وبين زميله في العمل إحن أو طغينة. ولكل أحد أساء إليه إنسان، أو أغضبه.

دعوة ورسالة إلى كل هؤلاء جميعا: سامح تسامح، واغفر يغفر لك، وتجاوز ليتجاوز الله عنك.

رسالة إلى كل إنسان صادق يريد أن تنهض أمته، اعلم أنه لا تقوم أمة ولا تنهض إلا بالتآلف والتكاتف ووحدة الصف.. قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ۚ واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}(آل عمروان:103)، وقال: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}(الأنفال:46)، وقال: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}(آل عمران:105).. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا)(رواه الترمذي).
وفي رواية مسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه).

ـ رسالة لمن ينشد السعادة ويسعى إليها: اعلم أن السعادة ليست في الحسد والحقد والشحناء والبغضاء؛ لأن الحقد داء دفين، وحمل ثقيل، يتعب حامله ويثقل كاهله، فتشقى به نفسه، ويفسد به فكره، وينشغل له باله؛ فيكثر همه وغمه، فلا يرتاح حتى يؤذي من يحقد عليه لينفس عن نفسه.
إنما السعادة في سلامة الصدر وحسن الظن؛ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو النقي التقي، لا إثم عليه ولا بغي، ولا غل ولا حسد)(رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني).

- رسالة إلى طالب الجنة.. طهر قلبك، ونزه نفسك، وزك فؤادك، فهذا هو طريقها؛ فقد ورد في كتب السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال.. وتكرر ذلك ثلاث مرات، فلما سأل عبد الله بن عمرو الرجل عما بلغ به هذه المنزلة مع قلة ما رآه من العبادة، قال: "ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق ".

ـ إننا مقبلون على شهر رمضان وهو شهر عبادة وجد، ويحتاج إلى هدوء نفس وفراغ بال وطمأنينة قلب حتى يستطيع أن يسير إلى الله.. فإن السير إلى الله إنما يكون بالقلوب قبل الأبدان، ومرض القلب وانشغاله يوهن البدن، ويضعفه عن العبادة..
طريق المغفرة
إن بعض الناس يسعى لنيل الأجر والمثوبة وطلب العفو والمغفرة، باختراع صلوات وعبادات وأذكار لهذه الليلة ما أنزل الله بها من سلطان، كصلاة الرغائب وصلاة النصف من شعبان، اللتين قال فيهما الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع": (... هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب: "قوت القلوب"، و"إحياء علوم الدين"، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك).

فلا ينبغي لأحد أن يخص هذا اليوم بصيام دون الأيام، أو تلك الليلة بقيام دون الليالي، أو يخصهما بعبادة مخصوصة؛ فـ (إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في سنته عملا خاصا بهذه الليلة).

وإنما من أراد العفو من الله والمغفرة فليجتهد في تخليص توحيده وتطهير قلبه من الشرك، ثم تخليه القلب عن كل ضغينة، وتطهيره عن كل رذيلة، وتخليصه من كل قطيعة، وحمايته عن كل شحناء وصيانته عن كل بغضاء، فهذا القلب الذي يستحق العفو والمغفرة، وإن بات طيلة الليل على فراشه. 

فاللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.. ونعوذ بك أن يكون في قلوبنا غل لأحد من المسلمين.. وامنن علينا بعفو منك ياكريم.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة