- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:سنن نبوية مهجورة
إذا كان الله متصفا بالعلم الشامل والقدرة التامة والعبد متصف بالجهل والعجز فهذا يجعل العبد دائم الحاجة لربه ليرشده ويلهمه الصواب في أموره كلها، وهذا ما يرشد إليه دعاء الاستخارة، فهو يقوم على هذين الأساسين الاعتراف بالجهل والعجز، والتوسل إلى الله بتمام العلم ونفاذ القدرة.
في الصحيحين عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.
اللهم إن كنت تعلم أن الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به". قال: " ويسمي حاجته ".
معنى الاستخارة:
هي طلب العبد من الله أن يختار له الخير والأصلح من الأمرين، الفعل أو الترك، الإقدام أو الإحجام، متوسلا إلى الله بعلمه وقدرته، مع إظهار ضعف نفسه وعجزه وجهله.
ركن الاستخارة:
يقوم دعاء الاستخارة على أفعال وأقوال، منها الصلاة والدعاء، ولكن له أسسا إيمانية عميقة، وأهمها التفويض التام لله تعالى في تدبير الأمر، وهداية القلب لما فيه صلاح الدين والدنيا، مع ما يصاحبه من تمام التوكل على الله، المتضمن للثقة به، وحسن الظن بتقديره، وتسليم الأمر له، وهذا ظاهر من خلال ما يقوله العبد في دعائه (إن كنت تعلم...) فهو يضع الاحتمالين على حد السواء، داعيا الله أن يختار له، لأنه يعلم الأمور وخفاياها وخباياها، ويعلم ظاهرها وباطنها، ومبدأها ومنتهاها، والعبد لا يعلم ولا يقدر فهو يستخير الله ويستقدره بمعنى يطلب منه أن يقدره على الخير.
أثر الاستخارة
الغاية التي يؤديها دعاء الاستخارة هي حصول الرضا والطمأنينة لأقدار الله، بحيث يصل العبد إلى مرحلة استواء الأمر عنده، سواء الفعل أو الترك، وسواء الحصول بالمرغوب أو فواته وعدم تحصيله، كما قال تعالى (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) سورة الحديد (23)، وهذا واضح من ختامية الدعاء بالاحتمالين، ففي نهاية كل واحد يقول (ثم أرضني به)، وأنعم بها من ثمرة، ومن رزق الرضا عن الله وأقداره فقد ولج بوابة السعادة العظمى.
أخطاء تتنافى مع مضامين الدعاء:
مما يقع فيه البعض في موضوع الاستخارة التناقض مع مبدأ الاستخارة، فهو يدعو بتيسير الخير، مسبقا الاعتقاد بأن أحد الأمرين هو الخير والمصلحة والمنفعة، فيتعلق قلبه بالظفر به، متناسيا أن مقام الاستخارة يتناقض مع هذا الاعتقاد المسبق، بل يقتضي منه اطراح الرغبات والميول النفسية، وتفويض الأمر لله تعالى.
وبالتالي فإن هذا الداعي والحال كما ذكرت إذا لم يحصل له ما يظنه خيرا تسخط وحصل له الحزن والحسرة والاضطراب، وهذا الخطأ مبني على سابقه، فلو تحقق قلبه من الاستخارة التي تقوم على التسليم والتفويض لما حصل له هذا الاضطراب والحزن، فهذا يدل على خلل في معنى الاستخارة لديه.
ومن الأخطاء انتظار البعض أن تأتيه رؤيا ترشده لنتيجة الاستخارة، وتوجهه لأحد الاحتمالات، وذلك ليس بلازم، بل غاية ما يلزمه أن يستخير الله تعالى، ثم استشارة أهل الخبرة في الأمر الذي تردد فيه، مع ما يصاحب ذلك من جمع المعلومات المتعلقة بذلك الأمر، ثم يترجح الأمر لديه بحسب المعطيات الواقعية، ولا شك أن ما تتيسر أسبابه، ويتهيأ له فعله هو نتيجة الاستخارة، فيكون راضيا بما يسر الله له من الفعل أو الترك، فلا يلزم أن تأتيه رؤيا تقول له افعل أو لا تفعل.
وقد قال الحكماء: الناس ثلاثة: رجل، ونصف رجل، ومن ليس بشيء، فأما الرجل فمن له رأي ويستشير غيره، ونصف الرجل من له رأي ولكنه لا يستشير، وأما الثالث فلا رأي ولا استشارة.
من المضامين التي يرشد إليها دعاء الاستخارة:
أولوية صلاح أمر العبد في دينه قبل كل شيء، فأول معايير الاستخارة (في ديني)، فما كان خيرا للدين فهو خير للدنيا، وما كان شرا على الدين فهو شر على الدنيا والآخرة، وهذا توجيه لاهتمامات العبد، بحيث يكون الدين هو أول ما يخاف عليه من النقص، وأن يكون صلاح دينه هو المنطلق الذي يبدأ منه، ثم يأتي بعد ذلك أمور المعاش والمنافع الدنيوية.
وكذلك التقديم بين يدي الدعاء بالصلاة من غير الفريضة فيه إشارة إلى أن الدعاء الأكمل الذي يسبقه عمل صالح، بحيث يكون وسيلة لقبوله، كما أن الدعاء الأكمل يبدأ بالثناء على الله والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكر الإمام النووي في كتاب الأذكار أنه يسن التقديم بين يدي دعاء الاستخارة بالثناء على الله والصلاة على النبي كسائر الأدعية.
وفي قوله (إذا هم أحدكم بالأمر) دون تحديد رتبة هذا الأمر فيه إشارة إلى أن مشروعية صلاة الاستخارة في كل أمور العبد، وهذا يجعل الارتباط بين العبد وبين ربه وثيقا وقويا، فكل ما هم بعمل وحصل عنده احتمال بمصالح ومفاسده فزع إلى الصلاة ودعاء الاستخارة، وهذه الأمور التي يستخير فيها عامة سواء كانت مباحة أو مشروعة، ووجه الاستخارة في الأمور المشروعة في فعله هو، وليس في أصلها وذاتها، فهي خير ولا شك، ولكنه قد يستخير في تقديم بعضها على بعض، أو في توقيتها، أو في وسائلها وأدواتها، كالذي يريد الحج قد يستخير في تقديمه أو تأخيره أو في وسيلة الذهاب إليه، وقد يكون مريضا ويخشى من تطاول مرضه فيستخير في ذلك كله.
ثم هو في كل نجاحاته يعلق الأمر بالله تعالى، ويجعل الفضل له وحده، بخلاف من لا يستخير الله تعالى، فيحصل عنده غرور واستبداد، وربما نسب الفضل لذاته، وقدراته، ومؤهلاته، وهذا من الأبعاد التي شرعت صلاة الاستخارة لتنقية قلب المسلم منها، فالاستخارة تعلم العبد أنه لا يختار ولا يدبر ولا يتصرف إلا بتقدير الله وتدبيره.
وأخيرا فإن أساس هذا الأمر أن يعلم العبد ويوقن أن الله يعلم الغايات التي يطلبها العبد، ويعلم الوسائل الموصلة له إليها، أما العبد فهو يجهل ذلك، فقد يظن سعادته في أمر ما فهو يسعى له سعيا حثيثا، ويعلم الله أن سعادته في غيره، فييسر ما يعلمه موصلا له إلى سعادته قطعا، فقد يكون الفقر موصلا له إلى غاية السعادة، وقد يكون المرض الذي يعجزه عن الفجور هو سعادته، وقد يكون منعه من مرغوباته هو عين سعادته، وهذا علم ببواطن الأمور وعواقبها والعبد لا يحسنه بعلمه المحدود، فإذا كان ذلك كذلك فلا غنى للعبد عن الاستخارة في كل أموره.