سبب دخول الجنة

0 10

لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد الناس على الإيمان به دنيا يصيبونها، وإنما قال لهم لـما سألوه عن أجرهم بأن لهم الجنة، وهذه الجنة التي وعد رسول الله الناس بدخولها إن هم آمنوا به واتبعوه؛ قال الله تعالى في سبب دخولها أيضا: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32] فبينت الآية أن العمل أي بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب دخول الجنة أيضا.

وهذه الآية التي أكدت ذلك يتعارض ظاهرها مع قوله صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة رواه البخاري. ولكن يمكن الجمع والتوفيق بين هذا الحديث والآية بما يدفع هذا التعارض بينهما وذلك كما يأتي:
 
أولا: مما قاله العلماء في الجمع بين هذه الآية والحديث أن الحديث يدل على أن دخول الجنة والخلود فيها لا يكون إلا برحمة الله تعالى، وأن الآية تدل على أن المنازل والدرجات تنال في الجنة بالعمل وتكون متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، لا أنها سبب دخول الجنة، فالجنة تنال برحمة الله تعالى، والدرجات تنال بالأعمال.
 
ثانيا: أن الحديث جاء مفسرا للآية، أي: ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم، لأن نيل الدرجات في الجنة لا يكون إلا برحمة الله تعالى، كما أن دخولها لا يكون إلا برحمته أيضا، ولا ينفك العبد عن رحمة الله تعالى وفضله، وقد تفضل عليه ابتداء بخلقه ورزقه وهدايته للعمل الصالح، الذي كان سبب دخوله الجنة، ولولا رحمة الله تعالى ما كان ذلك الإيمان ولا العمل الصالح، فهو يدور في رحمة الله تعالى، فالحديث فسر ما أجمل في الآية.
 
ثالثا: أن أعمال الصالحين كانت في زمن يسير ينفد، والنعيم الذي هم صائرون إليه خلود لا ينفد؛ فكان جزاء النعيم السرمدي الخالد برحمة الله تعالى وفضله، لا بأعمال العباد كما قال ابن الجوزي.
 
رابعا: أن الباء في قوله {بما كنتم تعملون} للإلصاق والمصاحبة، أي أورثتموها ملابسة أو مصاحبة، وليست باء السببية أو المعاوضة والمقابلة؛ لأن العمل مهما تناهى فإنه لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا يكون عوضا لها، فجميع عمل ابن آدم لا يوازي شكر نعمة واحدة من نعم الله تعالى، ولو عذبه الله تعالى والحال هذه لم يكن ظالـمـا له، ولذا كان دخوله الجنة رحمة من الله تعالى به، وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم رواه أبو داود
 
خامسا: أن العمل الذي يعمله العبد من حيث هو عمل لا يستحق به دخول الجنة إلا إن كان ذلك العمل مقبولا عند الله تعالى، والتوفيق للأعمال الصالحة التي تقبل عند الله تعالى إنما يكون برحمة الله العبد وهدايته لتلك الأعمال، فيكون العمل المقبول الذي دخل به الجنة إنما حصل برحمة الله تعالى التي جاء الحديث يتحدث عنها. قال ابن حجر: يظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه وعلى هذا فمعنى قوله : {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أي تعملونه من العمل المقبول. 
 
بهذا وغيره يتبين عدم وجود تعارض بين قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32]، وقول الصادق المصدوق: لن يدخل أحدا عمله الجنة بل هو موافق للآية مؤيد لها .

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة