ذم الكسل

0 405

إن الكسل آفة عظيمة تعود على الأفراد والمجتمعات بالعواقب الوخيمة فهو يهدم الشخصية ، ويذهب بنضارة العمر ، ويؤدي بصاحبه إلى الإهمال والتأخر في ميادين الحياة الفسيحة.
من أجل هذا فإن المؤمنين الصادقين يكرهون الكسل ويحتقرونه، ويستعيذون بالله منه، ويدعون بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"متفق عليه.
العلم نـور فـلا تهمل مجـالسـه واعمل جميلا يرى فالفضل في العمل
لا ترقد الليل ما في النوم فائدة لا تكسلن تـرى الحـرمـان في الكـسـل
الكسل حرمان:
قال الإمام الراغب رحمه الله: (من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى.
ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب ، وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر ، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق.
ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية، فكل هيئة، بل كل عضو ترك استعماله يبطل، كالعين إذا غمضت، واليد إذا تعطلت، ولذلك وضعت الرياضات في كل شيء.
ولما جعل الله للحيوان قوة التحرك لم يجعل له رزقا إلا بسعي منه لئلا تتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك، ولما جعل للإنسان قوة الفكر ترك من كل نعمة أنعمها عليه جانبا يصلحه هو بفكرته لئلا تتعطل فائدة الفكرة ، فيكون وجودها عبثا.
وكما أن البدن يتعود على الرفاهية بالكسل، كذلك النفس تتعود بترك النظر والتفكر، مما يجعلها تتبلد...وترجع إلى رتبة البهائم. وإذا تأملت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " سافروا تغنموا" ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنه حثك على التحرك الذي يثمر لك جنة المأوى، ومصاحبة الملأ الأعلى، بل مجاورة الله تعالى). فلابد لمن أراد بلوغ المعالي من همة عالية وسعي دؤوب حتى يتحقق له ما يريد:
الجد بالجد والحرمان في الكسل         فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

أقسام الكسل:
الكسل قسمان: الأول: كسل العقل بعدم إعماله في التفكر والتدبر والنظر في آلاء الله من ناحية وفي تركه النظر إلى ما يصلح شأن الإنسان، ومن حوله في الدنيا التي فيها معاشه. وليس تأخر الأمم ناتجا إلا عن كسل أصحاب العقول فيها وقلة اكتراثهم بالقوة الإبداعية المفكرة التي أودعها الله فيهم.
الثاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخر الأفراد، بله الأمم في مجالات النشاط المختلفة من زراعة وصناعة وغيرهما.

القرآن يشنع على الكسالى:
لقد ذم الله تعالى الكسل والتباطؤ وجعلهما من صفات المنافقين.
قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا، وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا،ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}.
فقد دعا الله المؤمنين في هذا النص إلى أن ينفروا مجاهدين في سبيل الله ثبات – أي جماعات متفرقة – أو جميعا – أي عصبة واحدة في نفير عام – وذلك حسب مقتضيات المصلحة. وأنحى باللائمة على المبطئين، وهم من المنافقين الموجودين في صفوف المؤمنين، فهم فريق طلاب مغانم، ولكنهم غير مستعدين أن يبذلوا أي جهد في سبيل الله، فإذا دعا الداعي إلى الجهاد تباطؤوا ولم يخرجوا، فإذا نال المجاهدين مكروه فرحوا هم بالسلامة، وإذا ظفر المجاهدون وغنموا ندموا هم وتحسروا على أنفسهم، وقال قائلهم : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما، ويعتبر الغنيمة هي الفوز العظيم؛ لأنه منافق لا يؤمن باليوم الآخر، ولا يسعى للفوز فيه، ولو كان مؤمنا حقا لتوقد إيمانه حرارة فنفى عنه التباطؤ والتكاسل، وخرج إلى القتال في سبيل الله ورجا الشهادة والأجر عند الله.
وقال الله تعالى في سورة النساء: { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}.
وقال الله تعالى في سورة التوبة:{ قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ۖ إنكم كنتم قوما فاسقين (53)وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون (54).
فقد ذم الله المنافقين بأنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا وهم كسالى، فمن كان فيه هذا الوصف من المؤمنين كانت فيه صفة من صفات أهل النفاق.
وعلة المنافقين أنهم غير مؤمنين بفائدة الصلاة وجدواها، لذلك فهم إذا اضطرهم نفاقهم أن يقوموا إليها مسايرة للمؤمنين، وحتى لا ينكشف نفاقهم، قاموا إليها متباطئين كسالى.
بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم يقومون إلى الصلاة بهمة ونشاط، ورغبة صادقة، ولذلك وصف المؤمنين بأنهم يقومون إلي التهجد في الليل أو إلي صلاة الفجر تتجافى جنوبهم عن المضاجع ،وهذا عنوان مصارعة همتهم لحاجة أجسادهم إلى الراحة والنوم، فقال تعالى في سورة السجدة : {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(السجدة:16-17).

التكاسل عن العبادات من وساوس الشيطان:
ولما كان الشيطان عدوا للإنسان، وكان يكره منه الإيمان وعبادة الله والأعمال الصالحة، كان من وسائله تثبيط الهمم عن العبادة، والوسوسة بما يميل بالنفس إلى الكسل.
ومن أعماله أنه يعقد على قافية رأس الإنسان إذا هو نام ، ليمنعه من اليقظة والنهوض إلى عبادة الله في جوف الليل، وقافية الرأس قفا الرأس ومؤخره . فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة. فإن توضأ انحلت عقدة. فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
فهي عقد كسل مضروب عليها بوساوس شيطانية، ومتى تراكمت على الإنسان صارت خبلا، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الخبل المقعد عن النشاط والهمة إلى طاعة الله وعبادته بأنه أثر خبيث من آثار وساوس الشيطان.
فقد روى البخاري ومسلم عن بن مسعود قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقيل له : ما زال نائما حتى أصبح ، ما قام إلى الصلاة قال : " ذلك رجل بال الشيطان في أذنه" أو قال : "في أذنيه".
فمن لطائف التوجيه الإسلامي ربط الكسل وظواهره بالشيطان، وتربية المسلمين على مدافعة كل ظواهر الكسل.

النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الكسل:
ولأن الكسل داء قتال فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله تعالى منه، عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر"متفق عليه.
ولعل من هذا الباب ما ورد عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله. فقال:
"أما في بيتك شيء؟" قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما" فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال:
"من يشتري هذين؟" قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟" . مرتين أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: "اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به" فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع" رواه أبو داود.

الكسل دليل هوان النفس:
إن الإنسان في هذه الحياة إذا ركن إلى الراحة والدعة والخمول هان على نفسه وعلى الآخرين، فالكسل حلقات متتالية، فمن كسل عن شيء جره ذلك إلى الكسل عن آخر وثالث ورابع حتى يلتحق بالأموات وهو يمشي على الأرض، ولربما تكاسل عن أسباب المعاش فلجأ إلى سؤال الناس فكان دنيئا.
وهذه الشريعة الغراء تربي أبناءها على العزة والاستغناء والعفة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره ، فيتصدق به ويستغني به من الناس ، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك ، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول"رواه الترمذي وأحمد.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الهمة العالية وأن يجنبنا الكسل والحرمان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة