ولاية الله عند أهل السنة والجماعة

0 522

الولاية لغة: الموالاة والنصرة. وقيل: بالكسر معناها الإمارة. والولي بفتح فسكون: القرب والدنو، و"الولاية" قيل: بالكسر في الأمور، وبالفتح "الولاية" في الدين. ومدارات كلمة "ولي" تدور على: القرب، والمحبة، والنصرة، والسلطان، والمتابعة. قال شارح الطحاوية: "الولي من الولاية: بفتح الواو التي هي ضد العداوة، وقيل بالفتح: النصرة، وبالكسر: الإمارة. وقيل هما لغتان". والولاية في الاصطلاح الشرعي: مرتبة في الدين عظيمة، لا يبلغها إلا المؤمن التقي.
قال ابن تيمية في "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان": "الولاية: ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد. وقد قيل: إن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات، أي: متابعته لها، والأول أصح. والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا، أي: يقرب منه". وقال في "الاستقامة": "ولاية الله موافقته بأن تحب ما يحب، وتبغض ما يبغض، وتكره ما يكره، وتسخط ما يسخط، وتوالي من يوالي، وتعادي من يعادي". وقال في "مجموع الفتاوى": "الولاية هي الإيمان والتقوى المتضمنة للتقرب بالفرائض والنوافل".
وقال ابن القيم في "الجواب الكافي": "الولاية عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه". وقال ابن حجر في "فتح الباري": "المراد بولي الله: العالم بالله المواظب على طاعته، المخلص في عبادته". وقال الشوكاني: "المراد بأولياء الله خلص المؤمنين، كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته". وقال الشيخ ابن عثيمين: "من كان مؤمنا تقيا، كان لله وليا، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله تعالى، وإن كان معه بعض من الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية، مع أننا لا نجزم لشخص بشيء بعينه".

فأولياء الله عز وجل عند أهل السنة هم المؤمنون المتقون، فكل مؤمن تقي، هو لله ولي، بقدر إيمانه وتقواه، قال الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}(يونس:64:62). قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسر ربهم، فكل من كان تقيا كان لله وليا". وقال الطبري ـ بعد أن ذكر أقوالا كثيرة في تعريف أولياء الله ـ: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: "الولي" أعني "ولي الله" هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها، وهو الذي آمن واتقى، كما قال الله: {الذين آمنوا وكانوا يتقون}". وقال السعدي: "يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم فقال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} فيما يستقبلونه مما أمامهم من المخاوف والأهوال. {ولا هم يحزنون} على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال.. ثم ذكر وصفهم فقال: {الذين آمنوا} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وصدقوا إيمانهم، باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله تعالى وليا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري. قال ابن هبيرة: "وولي الله عز وجل هو الذي يتبع شرع الله". وقال ابن حجر: "المراد بولي الله العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته". وقال ابن تيمية: "بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة". وقال الصنعاني: "(من عادى لي وليا) الولي هو المؤمن المتقي كما فسره الله بذلك في قوله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يخزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون}(يونس:62:63)، فهذا تفسيره تعالى للولي، لا يقبل غيره". وقال الشيخ ابن عثيمين: "والمعاداة هي المباعدة، وهي ضد الموالاة، والولي بينه الله عز وجل في قوله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}(يونس:63:62)".
وقال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وغير واحد من السلف: "أولياء الله الذين رؤوا ذكر الله". عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى، قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله) رواه ابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني.
قال السيوطي في "الدر المنثور": "أخرج أبو الشيخ، عن سعيد بن جبير في قوله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال: هم الذين إذا رؤوا ذكر الله. وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة، وابن جرير، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والضياء في "المختارة" عن ابن عباس مرفوعا (أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وموقوفا (أي: على ابن عباس): {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال: هم الذين إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم". وقال الألوسي في "روح المعاني": "أخرج ابن المبارك، والترمذي في نوادر الأصول، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وآخرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: (قيل: يا رسول الله من أولياء الله، قال: الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى) أي لحسن سمتهم وإخباتهم". ومعنى: (الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى) أنهم على هيئة من السمت الحسن، والخشوع الظاهر، والصلاح والاستقامة، والتواضع لله، والذل له، والتعظيم له سبحانه وتعالى، ولا يفترون عن ذكر الله ولا يغفلون، ويداومون على الخيرات ويسارعون إليها، ويحافظون على طاعة الله، مقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم ومتمسكين بهديه وسنته.. فإذا لقيهم الإنسان ورآهم ذكر الله تعالى، لأن سمتهم وخصالهم يذكر بالله تعالى..

أساس الولاية وشرطها:
كل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، هذا أساس الولاية وأصلها، قال الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون}(يونس:63:62). وقال تعالى: {إن أولياؤه إلا المتقون}(الأنفال:34). قال الطبري: "{إن أولياؤه} يقول: ما أولياء الله عز وجل (إلا المتقون} يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه". وقال السعدي: "وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وأفردوا الله بالتوحيد والعبادة، وأخلصوا له الدين".
وأما شرط الولاية والولي فقد ذكره الله تعالى في قوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}(آل عمران: 31). قال السعدي: "{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص". وقال ابن رجب الحنبلي: "لا طريق توصل إلى التقرب إلى الله تعالى وولايته ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى ولايته والتقرب إليه ومحبته بغير هذه الطريق تبين أنه كاذب في دعواه".

اختلاف موقف الناس مع أولياء الله وكراماتهم:
قال ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان": "قال بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر. وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جدا الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله وأصحابه".. وينقسم موقف الناس مع الأولياء وكراماتهم إلى أقسام ثلاثة:
1 ـ القسم الأول: قسم غلا وأسرف في الأولياء وكراماتهم، حتى زعم أن كل خارق للعادة هو من باب الكرامة دون التفات إلى حال الشخص من تقوى الله تعالى واتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، وادعوا باسم الولاية عصمة الولي ـ وهذا خطأ وضلال كبير، إذ لا عصمة إلا للأنبياء والرسل ـ، ورفعوا أولياء الله إلى منزلة فوق منزلتهم، بل ويعتقد بعض هؤلاء الغلاة أن من الأولياء من يعلم الغيب، ويدبر أمر العالم، ويتصرف في الكون بما يشاء، إلى غير ذلك من الأمور التي هي من خصائص الله تعالى وحده.. ومن ثم وقعوا ـ من خلال هذا الغلو ـ في الشرك بالله، فتوجهوا بالدعاء والاستغاثة وطلب العون والمدد من الأولياء، وهذا من أقبح الشرك بالله. قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "ومن العقائد المضادة للحق: ما يعتقده بعض المتصوفة من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير، ويتصرفون في شئون العالم، ويسمونهم بالأقطاب والأوتاد والأغواث، وغير ذلك من الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية، وهو شر من شرك جاهلية العرب"..
ومن نظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم علم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خير البشر لم تكن له هذه المنزلة، بل لما قالوا له: (يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا..قال لهم صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني (تبالغوا وتتجاوزوا في مدحي) كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
2 ـ القسم الثاني ـ مع الأولياء ـ: قسم جفا وكذب بكرامات الأولياء وأنكرها، وزعم أن كل ما يذكر من ذلك هو من قبيل الشعوذة والدجل، وأنكر ما هو ثابت في الكتاب والسنة من الكرامات الصحيحة التي أجراها ويجريها الله عز وجل لأوليائه المتقين. قال ابن تيمية: "ومن أصول أهـل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات.. كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة". وقال الطحاوي: "ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم"
3 ـ القسم الثالث مع الأولياء والكرامات: إذا كان القسم الأول: غالى في كرامات الأولياء وأسرف حتى زعم أن كل خارق للعادة هو من باب الكرامة، دون التفات إلى حال الشخص ونصيبه من تقوى الله واتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، ووصل بهم حالهم مع الأولياء وغلوهم فيهم وفي كراماتهم إلى الشرك بالله.. وإذا كان القسم الثاني جفا وكذب بكرامات الله وأنكرها، فإن القسم الثالث هم الوسط بين التفريط والإفراط، والغلو والجفاء، وهم أهل السنة والجماعة الذين توسطوا في موضوع الأولياء والكرامات، فأثبتوا ما أثبته الكتاب والسنة الصحيحة من وجود ووقوع كرامات للأولياء، ولم يغالوا في أصحابها، ولم يتعلقوا بهم من دون الله عز وجل، ونفوا ما خالف الكتاب والسنة من الدجل والشعوذة، فليس كل أمر خارق وقع لإنسان يعتبر كرامة وأنه من أولياء الله، بل لابد أن يكون هذا الأمر موافقا للكتاب والسنة، وأن يكون من وقع على يديه هذا الأمر الخارق، مؤمنا تقيا، متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسنته.. قال ابن كثير: "وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قلت للشافعي: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة، فقال الشافعي: قصر الليث رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة". وقال ابن تيمية: "فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور (الكرامات والخوارق للعادة) أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة".

أولياء الله عز وجل هم المؤمنون المتقون، فكل مؤمن تقي، هو لله ولي، قال الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون}(يونس:63:62). وطريق الولاية عند أهل السنة هو المحافظة على الفرائض، والحرص على النوافل، والتحقق بمقامات الإيمان، والتزين والتحلي بالتقوى، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم.. والولاية وحدوث الكرامة للولي لا ترفع صاحبها عن مقام العبودية.. وإثبات أهل السنة للولاية والكرامة، ليس فيه أي تجاوز لحدود العبودية لله تعالى، وإنما تحصل هذه الكرامات بمشيئة الله تعالى وفضله، وليست لكرامات الأولياء ولا لمعجزات الأنبياء قدرة ذاتية في النبي ولا في الولي، وليس ظهورها بمحض إرادتهم أو رغبتهم، وإنما هي من الله تعالى مشيئة وفضلا..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة