- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:النفاق
النفاق هو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد. والمنافق تختلف سريرته عن علانيته، وظاهره عن باطنه، ولهذا يصفهم الله عز وجل في كتابه بالكذب قال الله تعالى: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}(المنافقون:1). فالاختلاف بين الظاهر والباطن، والسر والعلانية، من أخص وأهم ما يميز المنافقين، قال الله تعالى عنهم: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}(البقرة:10:8)، قال الطبري: "أجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق، وأن هذه الصفة صفتهم". وقال ابن كثير: "النفاق: هو إظهار الخير، وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي، وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي وهو أكبر من الذنوب، قال ابن جريج: المنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه". وقال الإمام ابن العربي: "النفاق هو إظهار القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد". وقال ابن حجر: "والنفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه".
فالنفاق نوعان: أكبر يخرج من الملة، وأصغر لا يخرج من الملة. قال ابن تيمية في "الإيمان الأوسط": "والنفاق كالكفر نفاق دون نفاق، ولهذا كثيرا ما يقال: كفر ينقل عن الملة، وكفر لا ينقل، ونفاق أكبر، ونفاق أصغر، كما يقال: الشرك شركان أصغر، وأكبر".
أولا: النفاق الأكبر:
النفاق الأكبر هو نفاق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام، قال الجرجاني في "التعريفات": "المنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقادا، ويظهر الإيمان قولا". فالنفاق الأكبر المخرج من الملة، والموجب للخلود في الدرك الأسفل من النار: هو إبطان الكفر في القلب، وإظهار الإيمان على اللسان والجوارح، فمن أظهر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأبطن ما يناقض ذلك، أو يناقض شيئا منه: فهذا هو المنافق النفاق الأكبر، ويترتب على هذا النوع من النفاق ما يترتب على الكفر الأكبر، من حيث انتفاء الإيمان عن صاحبه، وخلوده في جهنم، لكن المنافق أشد عذابا من الكافر، لأنه في الدرك الأسفل من النار إذا مات عليه. وهذا النوع من النفاق هو المعني بقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}(النساء:145).. ومن الآيات القرآنية الدالة على كفرهم، ومصيرهم في الآخرة، قول الله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}(البقرة:8}، {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}(النساء:138)، {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها}(التوبة:68). قال ابن كثير: "أي: ماكثين فيها مخلدين، هم والكفار". وقال الله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}(التوبة:84). قال ابن كثير: "أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من المنافقين، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له، لأنهم كفروا بالله ورسوله، وماتوا عليه. وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين".
وقد عد ابن القيم في "مدارج السالكين" أنواع الكفر الأكبر خمسة أنواع: "كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق، وقال: أما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر". وقال ـ ابن القيم ـ في بيان أقسام النفاق: "وهو نوعان: أكبر، وأصغر، فالأكبر: يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به". وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "من النفاق ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبي وغيره".
وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار ، ومن الآيات في تكفيرهم، ومصيرهم في الآخرة، قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}(البقرة:8)، وقوله عز وجل: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}(النساء:138)، وقوله تعالى: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها}(التوبة:68)، وقوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير * يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا}(التوبة:73-74)، وقوله عن طائفة من المنافقين من أسوأ أنواع الكفار، ومصيرهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، لأنهم زادوا على كفرهم، الكذب والمراوغة والخداع للمؤمنين، ولذلك فصل القرآن الحديث حولهم وحول صفاتهم لكي لا يقع المؤمنون في حبائلهم وخداعهم".
فالنفاق الأكبر يخرج صاحبه من الإسلام، ويوجب له الخلود في النار، ويحرم عليه دخول الجنة، وذلك لأنه أظهر الإسلام والخير، وأبطن الكفر والشر..
ثانيا: النفاق الأصغر:
النفاق الأصغر ـ ويسمى أيضا بالنفاق العملي -، نفاق الأعمال، وهو أن يظهر عملا صالحا ويبطن خلاف ذلك، أو تختلف سريرته عن علانيته، لكن ليس في أصول الإيمان. ومن ذلك أن يقع في شعبة من شعب نفاق العمل، أو يتصف ببعض صفات المنافقين من الكذب والخيانة وخلف الوعد، مع بقاء أصل الإيمان في القلب، وصاحبه لا يخرج من الملة، ولا ينفى عنه مطلق الإيمان، ولا مسمى الإسلام، وهو معرض للعذاب كسائر المعاصي، دون الخلود في النار. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها (يتركها): إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) رواه البخاري. وفي رواية للنسائي: (ثلاث من كن فيه فهو منافق، إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، فمن كانت فيه واحدة منهن، لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يتركها). فمن اتصف من أهل التوحيد بشيء من ذلك وقع في النفاق الأصغر بحسب ما فعله أو اتصف به، لأنه شابه المنافقين في بعض أعمالهم. قال الإمام الخطابي في "شرح السنة": "هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمرء المسلم، والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال، فتفضي به إلى النفاق، لا أن من بدرت منه هذه الخصال، أو فعل شيئا من ذلك من غير اعتياد أنه منافق". وقال الطيبي: "فهذا سمي منافقا، ولكنه نفاق دون نفاق".
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "والنفاق يطلق على النفاق الأكبر الذي هو إضمار الكفر، وعلى النفاق الأصغر الذي هو اختلاف السر والعلانية في الواجبات.. وهذا مشهور عند العلماء. وبذلك فسروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).. وقال غير واحد من السلف: كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك".
وقال النووي في شرح هذا الحديث: "هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك، وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلد في النار، فإن أخوة يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار، أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار، وقوله صلى الله عليه وسلم (كان منافقا خالصا) معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال. قال بعض العلماء هذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه، فهذا هو المختار في معنى الحديث".
النفاق أمره عظيم، وشأنه خطير، وقد وجد المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة حينما قويت شوكة الإسلام، وخافوا على أنفسهم، فصاروا يظهرون الإسلام ويجتمعون مع الناس ويصلون معهم، وقد يخرجون إلى الجهاد معهم على ما انطوت عليه قلوبهم من الكفر.. وقد كثر الحديث في القرآن الكريم عن النفاق والمنافقين وصفاتهم، وأنهم شر أنواع الكفار، وأن مصيرهم في الدرك الأسفل من النار، وذلك لأن بلية المسلم بهم أعظم من بليته بالكفار المجاهرين، ولهذا قال الله تعالى عنهم: {هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون}(المنافقون:4). قال السعدي: "فهؤلاء {هم العدو} على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين". وقال ابن القيم في "طريق الهجرتين": "ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر، أي لا عدو إلا هم، لكن لم يرد ها هنا لحصر العداوة فيهم وأنه لا عدو للمسلمين سواهم، بل هذا من إثبات الأولية والأحقية لهم في هذا الوصف"..
وأما النفاق الأصغر ـ نفاق العمل ـ فهو النفاق الذي لا ينقل صاحبه عن الملة، بل يظل معه مسلما، ويبقى معه إيمانه، وهذا النفاق العملي هو الاتصاف ببعض أعمال المنافقين التي لا تنقض الإيمان، بل هي في المعاملات، وذلك مثل الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، والغدر عند الخصام، والخيانة عند الائتمان، فإنه قد يجتمع في العبد بعض خصال الخير، وبعض خصال الشر، ويستحق من الثواب على قدر ما عنده من خصال الخير، ويستحق من العذاب على قدر ما عنده من خصال الشر والنفاق، ومن ثم يجب الحذر منه. قال الحافظ ابن رجب: "وكما يخشى على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت، كذلك يخشى على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا". ولذلك كان الصحابة والسلف رضوان الله عليهم يخافون على أنفسهم من النفاق، ويتعوذون بالله منه.. ومما ورد في خوف الصحابة رضوان الله عليهم ـ مع علو منزلتهم ـ من النفاق ما قاله ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه". وقد سئل الإمام أحمد: "ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ قال: ومن يأمن على نفسه النفاق؟!"..