- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:اقرأ في إسلام ويب
الأوطان هي مراتع الصبا، وملاعب الشباب، وملتقى الأقارب والأصدقاء والأحباب، فحبها مغروس في النفوس مستقر في الفطر.. ولو كانت في أعين غير أهلها حقيرة أو فقيرة إلا أنها عند أصحابها أفضل بلاد الأرض وأجمل بقاع الدنيا
ومهما لقى الإنسان منها وعانى فيها إلا أنها تبقى لها مكانتها في القلب كما قيل:
بلاد ألفناهـــا على كل حــالة .. .. وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وتستعذب الأرض التي لا هوى بها .. ولا ماؤهــا عذب ولكنهـا وطـن
ومفارقة الأوطان مصيبة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما أخرجه المشركون من مكة، وقف يلقي عليها نظرة الوداع، ثم قال: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك؛ ما خرجت) [رواه الترمذي].
مقومات بناء الأوطان:
لا شك أن بناء الأوطان وقيامها وازدهارها وتبوأها مكانة بين البلدان ليس بأمر هين، ولا هو شيء يقوم بين عشية وضحاها، وإنما جهود تبذل، ودماء تراق، وأموال تنفق، وعلم وتخطيط، مع سلامة قصد وصدق نية، وعلو همة.. كما أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالتخطيط المحكم والبناء الفعال، واتخاذ جميع الوسائل والأسباب لقيامها.
ولكن هناك مقومات وأسس عامة لا يقوم أي مجتمع إلا بها، ولا ترتفع أي أمة إلا بوجودها ومن أهم هذه المقومات:
أولا: العلم
وهو السلاح الأول في بناء المجتمعات بل والحضارات.. وليس للمجتمع حاجة إلى شيء أقوى من حاجته للعلم والتعلم والتعليم.
فبالعلم يكتشف الإنسان أسرار الكون ونواميسه، و يسخرها لخدمة نفسه ومجتمعه.
وبالعلم تصنع الحياة الكريمة الراقية، ويقضى على الأمية والجهل والفقر والجوع والمرض.
وبالعلم يكسب الناس المعرفة بالحقوق والواجبات. وبه مفاتيح التخلص من الأزمات والمشكلات. وبالعلم والإيمان يرفع صاحبهما فردا كان أو جماعة (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة:11].
والإسلام والقرآن يدعوان المسلم للعلم، وأول ما نزل من القرآن دعوة للمعرفة والعلم والتعلم والتي تكتسب بالقراءة والكتابة (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم)[العلق: 1 - 5].
وليس المقصود بالعلم هنا العلم الشرعي الديني فقط، وإنما كل علم نافع مفيد يسهم في التقدم الحضاري والإثراء المعرفي، ويقوي ويعزز قدرة المجتمع.. سواء كان من العلوم الدينية أو العلوم المادية التجريبية كالطب والهندسة والاقتصاد والتجارة، أو العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد جعل الله اكتساب هذه العلوم من الواجبات الكفائية التي تطالب الأمة بها في مجموعها.
ولذلك أمر الله نبيه بسؤال الاستزادة من العلم، وتعوذ عليه الصلاة والسلام من علم لا ينفع فقال (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)[رواه مسلم]، فبالعلم نزرع ما نأكل، ونصنع ما نلبس، وننتج دواءنا وسلاحنا وحاجاتنا، وإلا ظللنا عالة على الغير محتاجين إليهم، نئن من وطأتهم، ونعيش تحت رحمتهم.
العلم يرفع بيتا لا عماد له .. .. والجهل يهدم بيت العز والشرف
ثانيا: العدل
و"العدل أساس الملك".. وبه قامت السموات والأرض.. هذه قاعدة مطردة استقرت عند الساسة والعامة وثبتت بالواقع والتاريخ، وسنة كونية ربانية لا فرق فيها بين دولة مسلمة أو دولة غير مسلمة.
قال تعالى: (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)[الرحمن: 9]، وقال سبحانه: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)[النحل: 90]، وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)[رواه مسلم].
فمن جعل العدل أساس ملكه قويت شوكته، وعظمت دولته، وإن كان كافرا، ومن جعل أساس دولته الظلم، وتضييع الأمانة وإهدار الحقوق لم تبق دولته، وإن كان مسلما. قال ابن تيمية رحمه الله: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".
و ذكر ابن خلدون في مقدمته فصلا بعنوان ”الظلم مؤذن بخراب العمران”، بين فيه أن الظلم إذا انتشر، خربت البلاد، واختل حال العباد.
وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه :أما بعد ، فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالا يرمها به فعل!؟ فكتب إليه عمر: "أما بعد: "قد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا، فحصنها بالعدل، ونق طرقها من الظلم، فإنه مرمتها والسلام".
وكتب إليه والي خراسان يقول: إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك. فكتب إليه عمر: .. أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم والسلام.
والعدل قيمة مطلقة مطلوب في كل حال ومن كل أحد:
مطلوب من الراعي مع رعيته فيكون به أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (إمام عادل).. ومن الرعية مع بعضهم: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)[النساء:135).
ويكون مع الموافق والمخالف والمحب والمبغض (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)[المائدة:8]. ومعنى الآية: "ولا يحملنكم بغضكم لبعض الناس على أن تحيفوا عليهم أو تظلموهم؛ بل يجب على المسلم أن يعدل حتى مع هؤلاء المخالفين".
فالعدل لازم لقيام الأوطان وبقائها، والظلم مؤذن بهلاكها وفنائها.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا وجلاه في حديث أسامة بن زيد حينما أراد أن يشفع في المرأة المخزومية التي سرقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟ ثم قام، فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[متفق عليه]
ثالثا: الأمن:
انتشار الأمن مطلب من أهم مطالب الحياة، وضرورة من أهم ضروريات البشر، لا تتحقق مصالح العباد والبلاد إلا بوجوده، ولا تتحقق أهداف المجتمعات وتطلعاتها إلا بانتشاره، ولا تسعد نفوس الناس ولا يهنأ عيشهم إلا بازدهاره. فإذا ما رفع رفعت معه سعادة العباد، ورخاء ونماء البلاد، وحل مكانه الخوف والجوع، وفشا الخراب والدمار.
فالأمن مطلب كل مخلص لبلده محب لوطنه؛ كما قال إبراهيم عليه السلام: (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) [البقرة: 126].
وهو نعمة يمتن الله بها على من وهبهم إياها كما في قوله تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)[قريش:3، 4]، (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ۚ أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون)[العنكبوت:67].
فالأمن نعيم من نعيم الدنيا قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)[رواه الترمذي وابن ماجه].
ومن هنا جاءت هذه الشريعة الغراء ومن أهم قواعدها ومقاصدها العامة حفظ الأمن العام بحفظ الضروريات الخمس التي لا تنعقد معيشة الناس إلا بحفظها ألا وهي: حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ المال.
رابعا: الاجتماع ووحدة الصف
قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ۚ واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) [آل عمران: 103].
أمر من الله تعالى بالاجتماع والاعتصام بدين الله، فبالاجتماع تصلح دنياهم، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، مما يؤدي إلى الضرر العام. [تفسير السعدي بتصرف].
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم قام بالمؤاخاة بين المسلمين، وبوضع وثيقة تضبط العلاقة بين فئات الوطن المختلفة من المسلمين واليهود والمشركين لتضمن عدم التنازع والشقاق، وتنظم طريقة التعايش في سلام ووفاق وتكاتف في حماية الوطن الواحد.
ولما بدت بعض ظواهر الاختلاف بين المهاجرين والأنصار في القصة المشهورة سارع إلى وعظهم وردهم إلى صوابهم وقال: (دعوها فإنها منتنة)[متفق عليه].
وكان يدعو إلى كل ما يقوي روابط المحبة والألفة بين المسلمين.. فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) [رواه مسلم].
فالاجتماع والوحدة والائتلاف وعدم الاختلاف من أهم الخطوات في بناء الأوطان وازدهارها.
خامسا: بناء الإنسان
لأنه محور كل تقدم حقيقي وسبب حفظه واستمراره، فبناء البشر قبل بناء الحجر، إذ لا قيمة لأي بنيان إذا هدم الإنسان.. ولا قيمة لعمارة المباني والمنشآت إذا ساكنها وعامرها خراب..
فلابد من بناء المواطن بناء شاملا متكاملا: عقديا، وعلميا، وخلقيا، وبدنيا، وثقافيا واجتماعيا ليتمكن من منفعة نفسه ووطنه.
وهذا ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم من البناء لأصحابه.. فكان يربيهم على العقائد الصحيحة، والمبادئ القويمة، والأخلاق الحميدة، والأقوال السديدة، والأفعال الرشيدة، فكانوا أكمل خلق الله على الإطلاق.
قصة سور الصين
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺸﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻥ، ﺑﻨﻮﺍ ﺳﻮﺭ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﻟﺸﺪﺓ ﻋﻠﻮﻩ، ﻭﻟﻜﻦ ..! ﺧﻼﻝ 100 ﺳﻨﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﻌﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻟﻠﻐﺰﻭ ﺛﻼﺙ ﻣﺮﺍﺕ ! ﻭﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺃﻭ ﺗﺴﻠﻘﻪ ..! ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﻟﻠﺤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺮﺷﻮﺓ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺒﺎﺏ.
ﻟﻘﺪ ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺑﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻨﺎﺀ من يحرسه.