الاستعانة في القرآن

0 460

 

مفهوم الاستعانة

(الاستعانة) مصدر استعان، وهو من العون بمعنى المعونة والمظاهرة على الشيء، يقال: فلان عوني، أي: معيني، وقد أعنته، والاستعانة طلب العون، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:45)، والعون: الظهير على الأمر، المفرد والمثنى والجمع والمؤنث فيه سواء، والمعونة الإعانة، ورجل معوان: حسن المعونة، وكثير المعونة للناس، وكل شيء أعانك فهو عون لك. 
 
و(الاستعانة) في الاصطلاح: طلب الإعانة من الغير، والأصل أن تكون بالله، فهي طلب العون من الله، وتكون بالمخلوق فيما يقدر عليه، قال ابن تيمية: "والاستعانة طلب العون، والمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه".
 
الاستعانة في القرآن
 
وردت مادة (عون) في القرآن في عشرة مواضع، وجاءت في مواضعها بحسب معناها اللغوي، وهو طلب العون.
 
الألفاظ ذات الصلة
 
- الدعاء: وهو سؤال العبد ربه حاجته، ووجه الصلة بين الدعاء والاستعانة أن الاستعانة أعم من الدعاء، فالدعاء صورة من صور الاستعانة، والاستعانة تكون بالدعاء وبغيره، فكل دعاء استعانة، ولا عكس.
 
- الاستعاذة: اللجوء والاعتصام وطلب دفع الشر؛ والاستعانة أعم من الاستعاذة، فإنهما يجتمعان في طلب كف الشر؛ فالاستعاذة صورة من صور الاستعانة، وتزيد الاستعانة بأنها تكون في تحصيل الخير، فكل استعاذة استعانة، ولا عكس.
 
- الاستغاثة: طلب الغوث في الشدائد والأزمات والملمات، بينهما عموم وخصوص من وجه؛ فكل استغاثة استعانة، ولا عكس، فالاستغاثة خاصة في الشدائد والكربات، والاستعانة عامة فيها وفي غيرها.
 
- التوكل: مصدر توكل يتوكل، وأصل المادة يدل على اعتماد على الغير في أمر ما، ومن ذلك إظهار العجز في الأمر والاعتماد على الغير. وهو في الاصطلاح اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار. ووجه الصلة بين الاستعانة والتوكل أن الأخير هو تفويض الأمر لله، والاستعانة لا يلزم منها هذا التفويض، وبذلك تكون الاستعانة أعم من التوكل. 
 
اقتران الاستعانة بالعبادة
 
المتأمل في نصوص الكتاب العزير يلحظ اقتران العبادة بالاستعانة في العديد من المواضع؛ للإشارة إلى الصلة الوثيقة بينهما، ومن صور هذا الاقتران ما يأتي: 
 
أولا: اقتران الصبر والصلاة بالاستعانة، قال سبحانه: {واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:45)، وقال تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:153)، ولهذا الاقتران حكم، منها:
 
- الصبر والصلاة يمدان المؤمن بالقوة التي تعينه على احتمال تكاليف العبادة، ومدافعة شهوات النفس وأهوائها؛ فالصبر قهر للنفس على احتمال المكاره في ذات الله، وتوطينها على تحمل المشاق، والصلاة صلة بين العبد وربه، فالاستعانة بهما من أكبر العون على الثبات على الأمر وأداء الواجبات على الوجه الأكمل.
 
- الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن؛ إذ فيه ضبط النفس، وسيطرة الإرادة على الهوى، وسيطرة العقل على الشهوة، والصلاة أشد الأعمال الظاهرة على البدن؛ إذ فيها خضوع واستسلام لله، وتوجه بالقلب إليه، واستشعار لعظمة الخالق، فجمع بينهما في الاستعانة تنبيها على أن الإنسان إذا أتى بهما على وجههما كان متما لما عداهما من التكاليف.
 
- إطاعة الأوامر الإلهية وعدم مخالفتها تحتاج إلى صبر، ومن صبر عن المعاصي فقد صبر على الطاعة، ومن أخص حالات الصبر الصلاة؛ فالصلاة فيها سجن النفوس، وجوارح الإنسان فيها مقيدة بها عن جميع الشهوات.
 
- الاستعانة بالصبر والصلاة الطريق الأمثل لمواجهة محن الدعوة من شبهات الأعداء والصبر على الاستشهاد في سبيل الله. 
 
ثانيا: اقتران العبادة بالاستعانة، قال عز وجل: {إياك نعبد وإياك نستعين} (الفاتحة:5)، ومن حكم اقتران العبادة بالاستعانة ما يأتي:
 
- الجمع بين الوسيلة والغاية؛ فالعبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها، فجمع سبحانه بين أشرف غاية ووسيلتها.
 
- الإشارة إلى كمال التوحيد المطلوب من العباد؛ فقوله سبحانه: {إياك نعبد} تبرؤ من الشرك، وقوله عز من قائل: {وإياك نستعين} تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله سبحانه، فجمع بينهما تنبيها لعباده إلى كمال التوحيد المطلوب منهم.
 
- بيان أن الاستعانة هي ثمرة التوحيد واختصاص الله تعالى بالعبادة. 
 
- الإشارة إلى أن لزوم الاستعانة في العبادة سبيل السعادة الأبدية؛ فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
  
- بيان احتياج العبد الدائم إلى الاستعانة بالله في العبادة. فالله سبحانه ذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها؛ لاحتياج العبد في جميع عبادته إلى الاستعانة بالله، فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريد. فالاستعانة هي نوع من استصغار العبد حاله بجوار عظمة الله تعالى، وافتقاره إليه، وأنه محتاج إليه دائما، كما قال سبحانه: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} (فاطر:15).
 
- الإشارة إلى أن الاستعانة لا تكون إلا بمن يستحق العبادة.
 
- الجمع بين شكر الألوهية والربوبية؛ فعبادة الله هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لألوهيته، واستعانته هي غاية الشكر له في القيام بما يجب لربوبيته.
 
- القضاء على الكبر والعجب عند الإنسان؛ فقوله تعالى: {إياك نعبد} يقتضي حصول رتبة عظيمة للنفس بعبادة الله تعالى، وذلك يورث العجب، وقوله سبحانه: {وإياك نستعين} يدل على أن تلك الرتبة الحاصلة بسبب العبادة ما حصلت من قوة العبد، وإنما حصلت بإعانة الله سبحانه. 
 
الله سبحانه هو المستعان
 
إن المؤمن الذي يريد أن يرتقي في شرف منازل الآخرة، لا يستطيع أن يرتقي إلا بعد عون الله له وتوفيقه، فالله سبحانه هو المستعان على الحقيقة دون غيره من الخلق؛ لأن العبد عاجر عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله سبحانه. 
 
وحاجة العبد إلى الاستعانة بالله سبحانه لا تعدلها حاجة، بل هو مفتقر إليه في جميع حالاته وأحواله؛ فهو محتاج إلى الهداية والإعانة عليها، ومحتاج إلى تثبيت قلبه على الحق، ومحتاج إلى مغفرة ذنبه وستر عيبه، وحفظه من الشرور والآفات، ومحتاج إلى قيام مصالحه...وهذا أمر تكرر في القرآن، من ذلك قوله عز وجل: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام:17) وقوله سبحانه: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته} (الزمر:38)، قال ابن رجب: "فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه، ومن ترك الاستعانة بالله، واستعان بغيره، وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولا؛ لأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله، فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول".
     
أنواع الاستعانة
 
الاستعانة منها ما هو مشروع مندوب، ومنها ما هو ممنوع مذموم:
 
أولا: الاستعانة المشروعة
 
وهي على صور: 
 
1- استعانة بالله تعالى، وهي الاستعانة به على طاعته؛ وهي من أعلى أبواب الاستعانة، قال ابن تيمية: "وكل عمل لا يعين الله العبد عليه، فإنه لا يكون ولا ينفع؛ فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، فلذلك أمر العبد أن يقول: {إياك نعبد وإياك نستعين}". فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات كلها...ولا يقدر على الإعانة إلا الله، فمن حقق الاستعانة به في ذلك كله أعانه.
 
2- استعانة بالله على الأمور الدنيوية؛ فجميع العباد فقراء إلى الله الغني الحميد، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وخزائن العالم بأسرها بيده، والعبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولو ترك لنفسه لحظة ضاع وهلك، ولهذا فالعبد في كل لحظة بحاجة إلى ربه ومولاه، يقول الشيخ السعدي: "التوكل على الله والاستعانة به خلق جليل، يضطر إليه العبد في أموره كلها دينيها ودنيويها، لأنه وإن كان الله تعالى قد أعطى العبد قدرة وإرادة تقع بها أفعاله الاختيارية، ولم يجبره على شيء منها، فإنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، فإذا اعتمد بقلبه اعتمادا كليا قويا على ربه في تحصيل وتكميل ما يريد فعله من أمور دينه ودنياه، ووثق به أعانه وقوى إرادته وقدرته، ويسر له الأمر الذي قصده، وصرف عنه الموانع أو خففها، وتضاعفت قوة العبد وازدادت قدرته؛ لأنه استمد من قوة الله التي لا تنفد ولا تبيد".
 
3- استعانة بالله على مواجهة الظالمين، وقد اشتمل القرآن على نماذج عديدة من الاستعانة بالله على مواجهة الظالمين، منها:
 
* ما أرشد إليه موسى عليه السلام قومه في مواجهتهم مع فرعون وقومه: {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} (الأعراف:128). 
 
* ومنها قصة مؤمن آل فرعون، الذي قال لقومه: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} (غافر:44)، وكانت نتيجة استعانته بالله ما ذكره سبحانه بقوله: {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب} (غافر:45).
 
* ومنها ما ذكره ربنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في دعوته قريشا: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون * فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون * إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون * وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين * قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون} (108-112). 
 
فعقيدة المؤمن الصادق في إيمانه في مواجهة الظالمين، تقوم على أمرين اثنين: تفويض الأمر إلى الله وتوقع الفرج منه سبحانه، والاستعانة به على مواجهة الظالمين. 
 
4- الاستعانة بالأعمال الصالحة، قال تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:153)، فالصبر والصلاة هما الزاد الذي يمد المؤمن بالقوة التي تعينه على احتمال تكاليف الدين والدنيا. 
 
وهناك أمور تتأكد عندها أهمية الاستعانة؛ منها: حين يتعرض المؤمن للبلاء، وعند مواجهة الفتن الكثيرة، وعند مواجهة شبهات الأعداء.
 
ثانيا: الاستعانة الممنوعة
 
الاستعانة عبادة يجب صرفها لله وحده، وهي التي يصحبها معان تعبدية، تقوم في قلب المستعين من المحبة والخوف والرجاء والرغب والرهب، فإذا استعان العبد بغيره سبحانه بهذه المعاني المشار إليها، يكون قد دخل في الاستعانة الممنوعة، ولها صور، منها: 
 
- الاستعانة بالأموات والمعبودين من دون الله، قال تعالى ذاما المشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله، وهم الأصنام والأنداد: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} (الزمر:43). وقد أكثر القرآن من وصف المعبودات بأنها لا تملك لعابديها دفع ضر أو طلب نفع، من ذلك قوله عز وجل: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس:18)، والآيات في هذا الشأن كثيرة وفيرة.
 
يقول ابن القيم بخصوص طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم: "وهذا أصل شرك العالم؛ فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها، وهذه حالة كل مشرك، والميت محتاج إلى من يدعو له، ويترحم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، واستقضاء الحوائج، والاستغاثة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد، وسموا قصدها حجا".
 
- الاستعانة بالمخلوق في أمور غيبية، والغيب لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة كانت غير ما استثنى الله من رسله، فهو كاذب ومشرك. 
 
- الاستعانة بالجن، جعل سبحانه بين الثقلين -الإنس والجن- حواجز، ومخاوف واختلافا بين الطبيعتين؛ ليعبد كل منهما ربه وفق ما شرع له من غير استعانة بالآخر، إلا أن الشياطين من الجن والإنس خالفوا أمر ربهم، وقالوا وعملوا ما لم يشرعه لهم؛ ولهذا التجاوز للمشروع حصل كثير من المنكرات، ووقع في الشرك والكفر بسبب هؤلاء الشياطين -وهم كفرة الجن- أو فساقهم أكثر الخلق من قديم الزمان، قال سبحانه: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ} (سبأ:20-21)، قال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} (الجن:6): "يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازله، وكان ذلك من فعلهم". وبين سبحانه أن هذه الاستعانة كانت سببا للخلود في النار: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم} (الأنعام:128).  
 
ثالثا: الاستعانة المباحة
 
من الأسباب التي شرع الله الأخذ بها الاستعانة بالمخلوق الحاضر القادر على أمر يقدر عليه، وهذه بحسب المستعان عليه، فإن كانت على بر أو مباح فهي جائزة للمستعين، مشروعة للمعين. وهذه الاستعانة تكون في الأمور الدينية والدنيوية، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} (المائدة:2)؛ ومن الاستعانة الدينية الاستعانة بمعلم لتعلم أمور الدين، ومن الاستعانة الدنيوية قول موسى عليه السلام في ما أخبر به سبحانه: {واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري} (طه:29-32)، قال مقاتل عند تفسيره لهذه الآية: "يقول: اشدد به ظهري، وليكون عونا لي، وأشركه في أمري الذي أمرتني به، يتعظون لأمرنا ونتعاون كلانا جميعا". 
 
موقف الناس من الاستعانة
 
موقف الناس من الاستعانة على نوعين:
 
- فمنهم أهل العبادة والاستعانة بالله عليها، وهي أفضل أنواع الاستعانة وأكملها وأحبها إلى الله. والاستعانة بالله تكون بطلب عونه وتأييده وتحقيق ما ينفع. وأفضل الخلق هم الذين أخلصوا العبادة لله، واستعانوا به على طاعته، وذلك بأمرين: الأول: بالتجاء القلب إلى الله، والإيمان بأن النفع والضر بيده، وأنه مالك الملك، ومدبر الأمر. والثاني: ببذل الأسباب التي هدى الله إليها وبينها. 
 
- ومنهم أهل الإعراض عن العبادة والاستعانة به سبحانه؛ فمن الناس من تغلب عليه الاستعانة بالله لتحقيق المطالب الدنيوية، حتى تشغله عن مطالب الآخرة، فإن تحقق له ما يطلب فرح به، وإن حرمه ابتلاء واختبارا جزع وسخط، فهذا النوع في قلوبهم عبودية الدنيا، وقد تعجل لهم مطالبهم فتنة لهم، ثم تكون عاقبتهم سيئة، قال تعالى في وصف هذا النوع: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} (هود:15-16).
  
مجالات التعاون بين الخلق
 
مجالات التعاون بين الخلق كثيرة وعديدة، منها ما هو مشروع ومندوب، ومنها ما هو ممنوع ومحرم؛ فمن التعاون المشروع والمندوب التعاون على البر والتقوى، فالتعاون ضرورة من ضرورات الحياة، ولولاه لما استقامت الحياة، فالإنسان لا ينهض وحده بكل متطلبات الحياة، بل جعل الله الناس متفاوتين متفاضلين؛ ليكمل بعضهم بعضا، قال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} (الزخرف:32). يقول ابن خلدون: "الإنسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكن وغير ذلك. وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه، والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيء لذلك التعاون". فالتعاون من أصول البناء الاجتماعي والإنساني وهو وسيلة من وسائل التواصل بين الأفراد والأمم والشعوب. 
 
ومن التعاون المحرم والمذموم التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2) أي لا تتعاونوا على ارتكاب الآثام، ولا على الاعتداء على حدود ما شرعه لكم؛ إذ حينما يتعاون الناس على الإثم والعدوان ينحسر الخير والصلاح، ويسود الشر والفساد؛ فما كان لفرعون أن يستبد ويظلم ويطغى، لو لم يجد أعوانا على ذلك، ولهذا قال سبحانه: {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} (القصص:8).
   
أثر الاستعانة على الفرد والمجتمع
  
الاستعانة لها آثار عظيمة على الفرد والمجتمع، وهذه الآثار لا حصر لها، ومن أهمها:
 
- أنها مظهر من مظاهر عبادته سبحانه وتوحيده.
 
- لزوم الاستعانة سبيل السعادة الأبدية.
 
- بها يحصل صلاح قلب العبد وسد حاجته الروحية.
 
- أنها تجعل الفرد المسلم وثيق الصلة بربه؛ يجيبه إذا دعاه، ويفرج كربه إذا نزل به كرب، ويغفر ذنبه.
 
- بالاستعانة يواجه العبد الأخطار المحدقة به.
 
- تمنح العبد الشعور بالقوة؛ لأن لا يوجه مصاعب الحياة بمفرده، بل معه ربه سبحانه.
 
- تنزع من العبد شعور العجز من نفسه.
 
- الاستعانة بالله سبب محبة الله عبده ورضاه عنه.
 
- أنها تذلل الصعاب، وتقوي المرء مع إخوانه على ما لا يستطيعه بمفرده. 
 
- الاستعانة المباحة تزيل الضغائن والحقد الحسد من القلوب.
 
- أنها تحقق بين أفراد المجتمع معاني الأخوة الإنسانية. 
 
* مادة المقال مستفادة من موقع موسوعة التفسير الموضوعي على الشبكة.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة