معالجات الظلم الاجتماعي في السنة النبوية

0 274

تتجدد صور الظلم اليوم عبر أشكال مختلفة، ومن صور الظلم ما يقع على المجتمع بشكل عام، من الاعتداء على حقوقه الحسية أو المعنوية، وقد عالجت السنة النبوية  الظلم بكافة أشكاله، سواء ما يقع على الفرد أو على المجتمع، ومن سبل المعالجة النبوية للظلم الاجتماعي:
 
أولا: محاربة الظلم على مستوى الأسرة:
نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطورة الظلم الذي يقع على الزوجات في حالة التعدد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‌من ‌كان ‌له ‌امرأتان، فكان يميل مع إحداهما على الأخرى، بعث يوم القيامة وأحد شقيه ساقط أخرجه الإمام أحمد.
 
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المفاضلة الجائرة بين الأولاد، ففي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من مال لابنها، فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي، وأنا يومئذ غلام، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بشير! ألك ولد سوى هذا؟) قال: نعم. فقال (أكلهم وهبت لهم مثل هذا؟) قال: لا. قال (فلا تشهدني إذا، فإني لا ‌أشهد ‌على ‌جور) . سنن البيهقي
 
ثانيا: محاربة الظلم الاجتماعي على الأموال العامة والخاصة
وهذا يشمل النهي عن كل ممارسة يعتدي فيها المسلم على أموال الآخرين، سواء بالرشوة، أو الغش والخداع، أو الربا والعقود الفاسدة، أو الغلول، أو السرقة، أو النهب والغصب، فكل سلوك يستحل فيه الإنسان مال الغير فهو محرم بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ‌إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام رواه مسلم، وقوله: كل المسلم على المسلم حرام. دمه ‌وماله وعرضه متفق عليه، وفي شعب الإيمان بسند حسن عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت النار أولى به.
 
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التعدي على الأموال العامة، فذلك من صور الظلم الاجتماعي الذي أصاب المجتمعات في العالم عبر العصور، ففي صحيح البخاري عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن رجالا ‌يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة.
 
ثالثا: الظلم الاجتماعي طريق الإفلاس الأخروي
وهذا شكل من أشكال المعالجة النبوية للظلم الاجتماعي، حيث صور النبي صلى الله عليه وسلم حال من يكتسب المظالم الاجتماعية، بصورة محسوسة لتقريب المعنى، فسماه المفلس الذي تربو مظالمه على حسناته، ففي الصحيحين عن ‌أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما ‌المفلس؟ قالوا: ‌المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع فقال:  إن ‌المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
 
رابعا: التحذير من المماطلة في أداء الحقوق، أو التلاعب بأجور العمال
فمن صور الظلم الاجتماعي اليوم هو ظلم الأجراء والموظفين والعمال في رواتبهم وأجورهم، وقد حذرت السنة النبوية من تلك التصرفات الجائرة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المماطلة أي التأخير في أداء الحق ظلما، فضلا عمن يأكل حقوقهم بالكامل، ففي الصحيحين عن ‌أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم.
وفي صحيح البخاري عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: ثلاثة ‌أنا ‌خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره.
 
خامسا: وفي مجال الأخلاق والعلاقات الاجتماعية
حذرت السنة النبوية مما يشيع بين الناس من التظالم ورذائل الحقد والحسد والبغضاء، وهو داء الأمم، كما في سنن الترمذي عن الزبير بن العوام، حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دب إليكم ‌داء ‌الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم.
 
فهذه نماذج سريعة لمحاربة السنة النبوية لمظاهر الظلم الاجتماعي، وما سواها يفوق الحصر، فيدخل في ذلك، المعالجات النبوية لمواضيع متعلقة بالفقر والبطالة، وتوزيع الثروة، واحترام الملكية الفردية، واحترام الحقوق، والقيام بالواجبات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحترام حقوق الضعفاء، ومحاسبة الظالم، وتساوي الجميع أمام القضاء، كل هذا وغيره له ما يشهد له في السنة النبوية.
وينبغي أن تتضافر الجهود على محاربة الظلم الاجتماعي بكل أشكاله؛ لما له من الآثار المدمرة على مستوى المجتمعات والدول، فهو يورث الطبقية والأنانية والانتهازية بين الناس، وهذا ما يعانيه العالم اليوم بنسب متفاوتة، وفي السنة النبوية توجيهات نافعة في معالجة ذلك فينبغي الالتفات إليها، والاستفادة منها.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة