- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مساوئ الأخلاق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن سار على نهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:
فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في قوله: (إذا اؤتمن خان): "إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه".
فمعنى الخيانة وحقيقتها: عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الخيانة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة). أي إن الخيانة هي شر ما يبطنه الإنسان.
والله تبارك وتعالى لا يحب من اتصف بهذه الصفة الذميمة كما قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور} (الحج: 38).
قال العلامة ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {إن الله لا يحب كل خوان كفور} أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها".
وقال سبحانه: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} (الأنفال: 58). قال الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: وإما تخافن يا محمد من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر، فانبذ إليهم على سواء يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. {إن الله لا يحب الخائنين} الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد".
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أناس يأتون بعد القرون الفاضلة تقل فيهم الأمانة وتظهر فيهم الخيانة فقال صلى الله عليه وسلم: (إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن)رواه البخاري.
قال النووي رحمه الله: "... يخونون خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها أمانة".
وقد خاطب الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخآئنين خصيما. واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا} (النساء: 105-108).
قال السعدي رحمه الله: "قوله: {ولا تكن للخآئنين خصيما} أي: لا تخاصم عمن عرفت خيانته، من مدع ما ليس له، أو منكر حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية".
وفي ذم صورة أخرى من صور الخيانة قال عز وجل: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} (التحريم: 10).
قال ابن كثير في قوله: {ضرب الله مثلا للذين كفروا ...} "أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلا ونهارا، يؤاكلانهما، ويضاجعانهما، ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط فخانتاهما أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجد ذلك كله شيئا، ولا دفع عنهما محذورا؛ ولهذا قال: فلم يغنيا عنهما من الله شيئا أي: لكفرهما، وقيل أي: للمرأتين: ادخلا النار مع الداخلين.. وليس المراد: فخانتاهما في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء".
ومن المعلوم أن كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره، كما ورد في القرآن على لسان امرأة العزيز: {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين}(يوسف: 52).
من أقوال السلف والعلماء في الخيانة:
- عن أنس بن مالك قال: "إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة".
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أد الأمانة والخيانة فاجتنب
واعدل ولا تظلم يطيب المكسب
- وعن مجاهد، قال: "المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة".
- وعن خالد الربعي قال: كان يقال: "إن من أجدر الأعمال ألا تؤخر عقوبته، الأمانة تخان، والرحم تقطع، والإحسان يكفر".
- قال الشاعر:
أخلق بمن رضي الخيانة شيمة
أن لا يرى إلا صريع حوادث
ما زالت الأرزاء تلحق بؤسهـا
أبــدا بـغـادر ذمـة أو نـاكـــث
- وعن ميمون بن مهران قال: "ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته وف بعهده مسلما كان أو كافرا، فإنما العهد لله عز وجل، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها، مسلما كان أو كافرا ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلما كان أو كافرا".
- وقال الفضيل بن عياض: "أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد، وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض - صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين".
- وقال الماوردي: "وأما الاستسرار بالخيانة فضعة؛ لأنه بذل الخيانة مهين، ولقلة الثقة به مستكين. وقد قيل في منثور الحكم: من يخن يهن. وقال خالد الربعي: قرأت في بعض الكتب السالفة: أن مما تعجل عقوبته ولا تؤخر: الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبغي على الناس، ولو لم يكن من ذم الخيانة إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة، لكفاه زاجرا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته، لعلم أن ذلك من أربح بضائع جاهه، وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العز، ويقابل عليه من الإعظام".