الرعاية التلطيفية للمريض في السنة النبوية

0 215

 
الرعاية التلطيفية هي نوع من أنواع الرعاية الصحية و التي تقدم للمريض وللقائمين على رعايته من ذويه بهدف الحد أو التخفيف من معاناتهم في مواجهة المرض، من خلال تقديم الدعم النفسي للمريض، لا سيما أصحاب الأمراض المزمنة، ولا شك أن السنة النبوية حافلة بالتطبيقات العملية للرعاية التلطيفية بالمريض، والاهتمام بحقوق المرضى من خلال الزيارة، والدعاء لهم، والمواساة، والوصية بالصبر، والتبشير بالأجر، والوقوف مع أهله وأقاربه، وهذه بعض النماذج.

أولا: الحث على زيارة المريض:
جاء الحث على زيارة المريض في السنة النبوية لما للزيارة من أثر بالغ على نفسية المريض، قد لا يشعر بها الإنسان إلا حين يكون مريضا ويرى أثر الزيارة عليه، ويلامسه بنفسه، وذلك لما تحمله الزيارة للمريض من دلائل أخوية.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكوا العاني، يعني: الأسير، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض"
عن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقل، حولوه عند امرأة، يقال لها: رفيدة، وكانت تداوي الجرحى. فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به، يقول "كيف أمسيت؟ "، وإذا أصبح: "كيف أصبحت؟ "، فيخبره. رواه البخاري في الأدب المفرد.
ويحصل بالزيارة الدعم النفسي للمريض، وتطييب خاطره، وإزالة وحشته، وإيناس نفسه.
 
ثانيا: التطبيقات النبوية لرعاية المرضى:
أ. الدعاء للمريض:
من السنن في عيادة المريض الدعاء له بالشفاء، فهذا مما يريح المريض، ويجعله يأمل بالعافية، ويتفاءل بها.
عن ‌عائشة بنت سعد أن ‌أباها قال: ‌تشكيت بمكة شكوا شديدا، فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا نبي الله، إني أترك مالا وإني لم أترك إلا ابنة واحدة فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث؟ فقال: لا قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال: لا، قلت: فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين؟ قال: الثلث والثلث كثير، ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال: اللهم اشف سعدا وأتمم له هجرته، فما زلت أجد برده على كبدي فيما يخال إلي حتى الساعة.
عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا ‌أتى ‌مريضا أو أتي به، قال: "أذهب الباس رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما" رواه البخاري في صحيحه.

ب. وضع اليد على رأس المريض:
كان صلى الله عليه وسلم من لطفه بالمريض أنه يقترب منه ويضع يده على رأسه ويدعوله، كما قال السائب بن يزيد: ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي ‌وجع، فمسح ‌رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ، فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة. رواه البخاري في صحيحه.
عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عاد المريض جلس عند رأسه، ثم قال - سبع مرار- "أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك" فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه.
وهكذا كان الصحابة يفعلون ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الربيع بن عبد الله: ذهبت مع الحسن إلى قتادة نعوده، فقعد عند رأسه، فسأله، ثم دعا له. قال: "اللهم اشف قلبه، واشف سقمه". رواه البخاري في صحيحه.
وفي صحيح مسلم عن ‌عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله ‌نفث ‌عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي.
وفي صحيح مسلم عن ‌أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من أصحابه ‌يعوده وقد صار كالفرخ بمعنى حديث حميد غير أنه قال: لا طاقة لك بعذاب الله ولم يذكر: فدعا الله له فشفاه.
 
حث المريض على الصبر:
ففي سنن أبي داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: رمدت عيني فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا زيد لو أن عينك لما بها كيف كنت تصنع؟ قال: كنت ‌أصبر وأحتسب. قال: لو أن عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت كان ثوابك الجنة وفي المعجم الكبير للطبراني قال: إذن تلقى الله بغير ذنب
(لما بها) بفتح اللام لو أن عينك ألم بها أو أصابها، وبكسر اللام أي لو أن عينك للذي أصابها ماذا كنت تصنع.  
وهذا النوع من المواساة يثبت نفوس أهل البلاء، ويخفف عنهم؛ فهو يشعر بأن بلاءه محفوظا عند الله، وأن جزاءه الجنة، فيهون عنده ما أصابه، وهذا ما لا يعرفه غير المسلمين ممن يتحدثون عن الرعاية التلطيفية دون هذا البعد الأخروي الذي يتميز به المؤمن باليوم الآخر.
 
الكلام الإيجابي الذي يبعث التفاؤل في نفس المريض:
ومن التلطف بالمريض أن يقال له الكلام الذي يتفاءل به، ويرجيه بالشفاء والعافية، ففي السنن الكبرى للنسائي عن جابر، قال: اشتكيت وعندي سبع أخوات فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فنضح في وجهي ماء فأفقت فقلت: يا رسول الله، أوصي لأخواتي بالثلثين قال: أحسن قلت: الشطر قال: أحسن ثم خرج وتركني ثم رجع فقال: " يا جابر، إني لا أراك ميتا من ‌وجعك هذا وإن الله قد أنزل فبين لأخواتك فجعل لهن الثلثين، قال جابر فنزلت هذه الآية {قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176]
 
التعاطف مع المريض:
كان من تلطفه بأصحابه أنه ربما ظهر عليه الحزن لآلامهم وأمراضهم، وربما بكى حزنا على أحدهم، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ‌يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم، فلما دخل عليه، فوجده في غاشية أهله، فقال: (قد قضى). قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال: ألا تسمعون، إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه
 
وقد كان لهذا اللطف النبوي دور كبير في تخفيف آلام المرضى، وتثبيت نفوسهم عند البلاء، وتماسك الروابط بين المسلمين، وقد بلغ من آثار هذه الرعاية أن كانت سببا في إسلام يهودي، ففي صحيح البخاري عن أنس، أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ‌يعوده وهو بالموت، فدعاه إلى الإسلام، فنظر الغلام إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم، ثم مات، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار.
 
فممارسة هذا النوع من العناية الصحية موجود في السنة النبوية، وإذا كان يمارس على أنه واجب طبي فإن هذه النصوص والتطبيقات النبوية تعطي الأمر أبعادا دينية تجعل الطبيب المسلم يمارس الرعاية التلطيفية بدافع إيماني، مما يجعله أكثر عناية بالمريض، وأقدر على الإبداع في هذا النوع من الخدمات الطبية؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، والقدوة الأعظم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة