- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
الضعفاء تطلق غالبا على ذوي الضعف البدني أو المادي، فالمرأة واليتيم، والمريض والكبير، والفقير والمظلوم، والطفل عامة والبنت خاصة، والأرملة والمسكين من الضعفاء.. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفاء، وأمر بمساعدتهم والقيام بحاجاتهم، والانتصار لهم، وأخبرنا أن الأمة التي لا تنتصر للضعفاء ولا تقوم بحقوقهم، هي أمة غير جديرة بنصر الله عز وجل وتطهيره لها من الآثام. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لما رجع مهاجروا البحر(المهاجرون إلى الحبشة) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ألا تحدثوني بأعاجيب (ما يعجب له المرء ويود سماعه ليتعظ منه ويعتبر) ما رأيتم بأرض الحبشة؟! قال فتية (جماعة) منهم: بلى يا رسول الله! بينما نحن جلوس، إذ مرت عجوز من عجائز رهابينهم (زاهدة من زهاد النصارى) تحمل على رأسها قلة (وعاء من الفخار) من ماء، فقام إليها فتى من فتيانهم فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت (وقعت) على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت (قامت)، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غدر (يا غادر ويا ظالم)، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين (الأمم السابقة واللاحقة من الخلق)، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف يكون أمري وأمرك عنده غدا (قدري وقدرك عند الله عز وجل)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت..صدقت (مقرا لقولها)، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!) رواه ابن ماجه. وفي رواية أخرى: (كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفها من شديدها حقه وهو غير متعتع (خائف أن يصيبه أذى)). قال السندي: "(يقدس الله) أي: يطهرهم من الدنس والآثام". وقال المناوي: "(كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم): استخبار فيه إنكار وتعجب، أي: أخبروني كيف يطهر الله قوما لا ينصرون العاجز الضعيف على الظالم القوي، مع تمكنهم من ذلك؟!، أي: لا يطهرهم الله أبدا، فما أعجب حالكم إن ظننتم أنكم مع تماديكم في ذلك يطهركم!".
والسيرة النبوية مليئة بالأمثلة والمواقف الدالة على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالضعفاء والوصية بهم، ومن ذلك:
ـ المرأة واليتيم:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاهتمام بحق المرأة واليتيم، فالمرأة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وحياته عرض يصان، ومخلوق له قدره وكرامته، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم هي واليتيم بالمزيد من الاهتمام، وبلغ من شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالمرأة أن أوصى بها في خطبته الشهيرة في حجة الوداع قبل موته قائلا: (استوصوا بالنساء خيرا) رواه مسلم. قال الطيبي": "الاستيصاء قبول الوصية، والمعنى أوصيكم بهن خيرا". وقال الصنعاني: "اسألوا الوصية فيهن من بعضكم لبعض بحيث يكون كل منكم يوصي غيره ويطلب منه الإحسان إليهن". وقال المناوي: "أي اقبلوا وصيتي فيهن، وارفقوا بهن، وأحسنوا عشرتهن".
أما اليتيم فكان صلى الله عليه وسلم من أوائل الذين لمسوا ضعفه وآلامه، ومن ثم اهتم به اهتماما كبيرا، من حيث تربيته ورعايته ومعاملته، حتى ينشأ عضوا نافعا، لا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع، فقال صلى الله عليه وسلم آمرا ومحفزا على رعاية اليتيم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا) رواه البخاري. قال ابن بطال: "حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك". وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بالاهتمام بالمرأة واليتيم في أحاديث كثيرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أخرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم) رواه ابن ماجه، وفي رواية أخرى: (إني أخرج حق الضعيفين ـ ثلاث مرات ـ: اليتيم والمرأة)، قال السندي: "قوله: (إني أحرج) بالحاء المهملة من التحريج أو الإحراج، أي: أضيق على الناس في تضييع حقهما، وأشدد عليهم في ذلك، والمقصود إشهاده تعالى في تبليغ ذلك الحكم إليهم".
ـ الأطفال والبنات:
الناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه يرى أنه كان مع الأطفال أبا حنونا، ومربيا حكيما، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي، وقد أعطى الطفل عامة والبنت خاصة جانبا كبيرا من اهتمامه، وأعطى للآباء والمربين القدوة الصالحة في التعامل معهما بأسلوب الرحمة والرفق والحب والمؤانسة. عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس يا رسول الله: إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا انه قد حدث أمر أوانه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) رواه النسائي. وصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمل أمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنها. عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) رواه البخاري.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالبنات في أحاديث كثيرة. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ولدت له ابنة فلم يئدها (من الوأد وهو دفن البنات حيا الذي كان يفعله أهل الجاهلية قبل الإسلام)، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها ـ يعني الذكر ـ أدخله الله بها الجنة) رواه أحمد. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عال (قام بما يحتاجون إليه) ابنتين، أو ثلاثا، أو أختين، أو ثلاثا، حتى يبن (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموت عنهن، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين - وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها ـ) رواه ابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة) رواه الترمذي. وقوله صلى الله عليه وسلم: (أو) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة ألبتة (إيجابا قاطعا بلا شك وشبهة)، قيل يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدة، لقال: واحدة) رواه أحمد.
ـ الأرملة والمسكين:
الأرملة: هي المرأة التي مات عنها زوجها، وسميت أرملة لأنها فقدت كاسبها ومن كان عيشها صالحا به، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة)، فيكون ذلك أشد توكيدا إذا كانت المرأة أرملة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل والصائم النهار) رواه البخاري. وفي رواية: (أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل). قال القاضي عياض: "في هذا الحديث فضل ما للساعي لقوام عيشه وعيش من يقوم به وابتغاء فضل الله الذي به قوام بدنه لعبادة ربه، وقوام من يمونه ويستر عوراتهم وأجر نفقاتهم أنه كالمجاهد، وكالصائم القائم، وذلك أنه في كل تصرف له في ذلك في طاعة ربه وامتثال أمره". وقال ابن هبيرة: "والمراد أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد.. وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدر، وأرضاها عن ربها، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه، فأنفق هذا فضل قوته وتصدق بجلده (جهده وتعبه)، فكان نفعه إذا (يكافيء) الصوم والقيام والجهاد".
ـ إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم:
بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فضل الضعفاء وأنهم سبب من أسباب انتصار المسلمين، فكم من نصر عبر التاريخ كان بسبب دعوة صادقة خالصة من رجل صالح من ضعفاء المسلمين، لا يعلمه ولا يفطن إليه أحد. عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابغوني (اطلبوا لي) الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) رواه أبو داود. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رب أشعث (المغبر الرأس المتفرق الشعر)، مدفوع بالأبواب (لا قدر له عند الناس)، لو أقسم على الله لأبره) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "(لو أقسم على الله لأبره) أي: لفضله ومنزلته عند الله أنه يجيب رغبته ودعاءه.. والقسم هنا عن قوة العزيمة في الرغبة والدعاء، أو يكون عن وجهه فيما أقسم عليه من الأمور، أن الله قد أجرى قدره وتقدم في سابق علمه، أنه ممن لا يخالف مجاري القدر قسمه. وقيل: معنى القسم هنا: الدعاء، وأبره أجابه". وقال ابن قرقول في "مطالع الأنوار على صحاح الآثار": "قيل: لو دعاه لأجابه". وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم) رواه النسائي. قال الصنعاني: "النصر الإعانة والإظهار على العدو..وأن الأعمال الصالحة جهاد الضعفاء ولعل المراد بهم المعذورون". وفي "شرح سنن النسائي": "(إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها) أي: بسببهم، ثم بين سبب النصر، فقال: (بدعوتهم) أي: بسبب دعائهم لربهم حتى ينصر المسلمين، (وصلاتهم) أي: ببركة صلاتهم التي يقيمونها بأركانها، وسننها، وآدابها، وخشوعها، كما أمرهم الله تعالى بذلك (وإخلاصهم) أي: بسبب إخلاص العبادة لربهم، بحيث لا يشوبونها بشيء من الشرك الجلي والخفي".
والنصرة بالضعفاء تكون مع إعداد العدة، وأخذ الأمة بأسباب النصر الأخرى التي أمرنا الله عز وجل بها، والتي علمها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وحياته وجهاده..
الاهتمام بالضعفاء ونصرتهم والإحسان إليهم من الأخلاق التي لابد منها لسعادة وترابط وقوة أي مجتمع من المجتمعات، والناظر والمتأمل في السيرة والسنة النبوية يري أن هذا الخلق الكريم اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم اهتماما كبيرا، وغرسه في أصحابه بقوله وفعله، وقد بوب النووي في شرح صحيح مسلم بابا بعنوان: "باب: ملاطفة اليتيم، والبنات، وسائر الضعفة، والمساكين، والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضع معهم، وخفض الجناح لهم".. وكان صلى الله عليه وسلم يولي اهتماما أكبر لمن يعاني صورة من صور الضعف، لأن الضعف يسبب لونا من ألوان الألم في النفس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان رحيما بالمؤمنين في كل أحوالهم، وهو في حال ضعفهم أشد رحمة، قال الله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(التوبة: 128). قال السعدي: "{بالمؤمنين رءوف رحيم} أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم".. ومن الكمال والجمال الخلقي الذي تحلى به نبينا صلى الله عليه وسلم خلق الرحمة والرأفة بالغير، فقد وهبه الله عز وجل قلبا رحيما، حتى صارت الرحمة له طبعا، فشملت الصغير والكبير، والمرأة واليتيم، والفقير والضعيف، والأرملة والمسكين، والناس أجمعين، وصدق الله تعالى القائل عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن خلقه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء:107)، {وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم:4). قال ابن كثير: "وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عنه، فقالت: "كان خلقه القرآن"، وذلك نحو قوله تعالى له: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، {فبما رحمة من الله لنت لهم}(آل عمران:159)، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}(التوبة: 128) وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق. والآيات الحاثات على الخلق العظيم كان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا".