- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
الحمد لله رب العالمين: جعل الدنيا دار محن وابتلاء، والآخرة دار حساب وجزاء، فمن صبر في الدنيا على المحن والبلاء، فاز في الآخرة بحسن الثواب والجزاء.
وأشهد ألا إله إلا الله، جعل للدهر طعمين حلوا ومرا، وللأيام طرفين يسرا وعسرا، وجعل الأيام يوما لك ويوما عليك، فإذا كان اليوم الذي لك فلا تبطر، وإذا كان اليوم الذي عليك فلا تضجر.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: خيره الله بين أن يكون ملكا رسولا أو عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا يجوع يوما فيصبر ويشبع يوما فيشكر، فكان خير الصابرين وخير الشاكرين.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.. وبعد:
فإن الإنسان في هذه الحياة يعيش محنا ومنحا، ونعما ونقما، فهو لا ينفك عن أمرين: محن من الله تعالى حقها الصبر، ومنح ونعم قيدها الشكر.. فمن قام لله بحق النعم فشكرها، وواجب النقم فصبر لها كان خير الناس: كما في الحديث: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له)[رواه مسلم].
فالعبد يعيش بين الصبر والشكر، وهما مطيتان لابد من ركوب إحداهما: قال عمر رضي الله عنه: "لو كان الصبر والشكر مطيتين ما باليت أيتهما ركبت".
تعريف الصبر وأقسامه:
فإذا كان كل إنسان سيبتلى، وليس أحد منفك عن البلاء، وجب على المرء أن يتعلم الصبر ويتقنه؛ فإنه واجب، والرضا مستحب.
والصبر عرفوه بأنه: "خلق جميل يمنع من فعل مالا يحسن".. وقيل هو: "قبول البلوى بلا شكوى".
والصبر ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
فالصبر على الطاعات: بحمل النفس عليها، والقيام بها على وجهها، والاستمرار فيها طاعة لله ومحبة له وطلبا لرضاه.
والصبر عن المعصية: بكف القلب عن تشهيها، وكف النفس عن التطلع إليها، وكف الجوارح عن الوقوع فيها.. وأعظم ما يكون ذلك في الخلوات حين تتمكن من المعصية وتغيب عن عيون الناس، فعند ذلك يظهر الصابرون من الكاذبين.
والصبر على أقدار الله المؤلمة: أي على المصائب والابتلاءات في الأموال والأنفس والثمرات، ويقوم على ثلاثة أركان:
حبس النفس عن التسخط بالمقدور، فلا يكون في نفسك اعتراض على الله تعالى.
وحبس اللسان عن الشكوى، فلا يتلفظ بما يشعر بعدم الرضا.
وحبس الجوارح عن إتيان ما لا يرضي الله، كلطم الخدود، وشق الجيوب، والدعوى بدعوى الجاهلية.
الطريق إلى الصبر:
وهذا الصبر بهذا الشكل شيء عظيم وعمل كبير.. وإنما يعين عليه أمور:
ألأول: أن تعلم أن هذا قضاء الله وقدره:
وقضاء الله نافد، وقدره لا يرد، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهو سبحانه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره، وهو مكتوب على صاحبه قبل أن يخلق الله آدم بخمسين ألف سنة. {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}[الحديد:22].
ومن تمام الإيمان وكماله أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا ۚ وعلى الله فليتوكل المؤمنون}[التوبة:51].
ثانيا: أن تعلم أنه من الله فتسلم له، وترضى به:
فإن الله تعالى منه الخير كله، وما رأينا منه إلا الجميل، وكل نعمة بنا فمنه سبحانه، فإذا جاءنا منه ما يختبر به صبرنا ويبتلي به رضانا وإيماننا فلنسلم له ولنرض به.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن الله يحب إذا قضى قضاء أن يرضى به.
وقال علقمة في قوله سبحانه: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن اللهۗ ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قال: "هي المصيبة تصيب المؤمن يعلم أنها من الله فيسلم لها ويرضى بها".
ثالثا: أن تعلم أن كل الناس مبتلى، وأنك لست في هذا وحدك:
فالابتلاء قانون عام يخضع له المؤمن والكافر، الطائع والعاصي، والبر والفاجر، والصالح والطالح..
من لم يصب ممن ترى بمصيبة .. .. هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا أدركت ذلك سلاك وواساك وأعانك على الصبر.
رابعا: أن تعلم أن السخط لا يمنع نزول القضاء، وأن عدم الرضا لا يمنع وقوع البلاء:
وأن كلا منهما لا يحيي ميتا ولا يرد فائتا، وإنما التسخط والجزع يفرح الشيطان، ويشمت الأعداء، ويحزن الأصدقاء، ويضيع الثواب، ويحبط العمل.
قال علي لعدي بن حاتم رضي الله عنهما: "ياعدي من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله".
خامسا: ان ترى لطف الله فيها:
فإن لله في كل بلية ألطافا، وليس لطفا واحدا.. فمن ذلك:
ـ أنها لم تكن في الدين: فكل بلية في غير الدين هينة، ولذلك جاء في سنن الترمذي والنسائي: (قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك... وفيه: (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا).
. أنها لم تكن أكبر منها. وإنما خففها لطف الله.
. أنه سبحانه إذا أخذ أبقى، وإن ابتلى فلطالما عافى.
. أنه يفتح بسببها من صنوف العبادة ما لا يخطر على البال، من الافتقار إليه، الانكسار بين يديه، والإنابة إليه، والدعاء الذي كنت بعيدا عنه، حتى إن البلية أحيانا من لطف الله تكون عطية، والمحنة تكون منحة.
. أنها لا تدوم: فلابد للبلاء من انقضاء، فإن الفرج مع الكرب والنصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا..
يا صاحب الهم إن الهم منفرج .. .. أبشر بخير فإن الفارج الله
الله يجعل بعد العســر ميســرة .. .. لا تجزعن فإن الكافي الله
سادسا: أن تتفكر في جزاء الصابرين:
فالصبر في أوله صعب لكن عاقبته أحسن العواقب:
الصبر مثل اسمه مر مذاقته .. .. لكن عواقبه أحلى من العسل
فأول عواقب الصبر: أن الله يحب الصابرين وهو سبحانه معهم يعينهم ويوفقهم، قال سبحانه، {واصبرواۚ إن الله مع الصابرين}[الأنفال:46]، وقال: {والله يحب الصابرين}[آل عمران:146].
. أن الصابرين عليهم صلوات الله ورحماته: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ۗ وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ۖ وأولئك هم المهتدون (157)}[البقرة:155ــ157]..
. أن الصابرين يوفون أجرهم بغير حساب: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}[الزمر:10].
. أن عاقبة الصبر الجنة: ففي صحيح البخاري: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر؛ عوضته منهما الجنة. يريد عينيه).. وعند الترمذي من حديث أبي موسى الأشعري : (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد).
اللهم اجعلنا من الراضين بالقضاء، الصابرين عند البلاء، الشاكرين عند الرخاء، العاملين بطاعتك في السراء والضراء.. واصرف عنا أسباب البلاء والعناء، واجعلنا من عبادك الصالحين.