- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الحديث الموضوعي
الكفاءة تعني المساواة والمماثلة، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافؤ دماؤهم" رواه النسائي في السنن الكبرى، أي: تتساوى في الحرمة، وأما في النكاح فهي المساواة بين الرجل والمرأة في أمور مخصوصة كالتدين وغيره من الاعتبارات دفعا للعار، ولما كانت الروايات في هذا الموضوع هي الأساس لاعتبار الكفاءة كان لا بد من الاستعراض الإجمالي لتلك الروايات بطريقة موضوعية.
أحاديث اعتبار الكفاءة في النكاح:
الحديث الأول: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، ورجل برجل والموالي بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، إلا حائك أو حجام ".
وهذا الحديث له طرق روي بها عند الدار قطني، والبيهقي، وأبو نعيم، وطريق البيهقي منقطع، وطريق الدار قطني فيه محمد بن الفضل مطعون فيه كما ذكر ابن عدي وابن حجر، وهكذا نجد أنه لا يسلم طريق من طرق هذا الحديث، ولذلك حكم عليه بالضعف.
الحديث الثاني: عن سلمان رضي الله عنه قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتقدم أمامكم، أو ننكح نساءكم". وهذا الحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، ولا يصح من الطريقين، بل هو ضعيف جدا كما ذكر الألباني في السلسلة الضعيفة، وفي إرواء الغليل.
الحديث الثالث: عن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما أعلم: قدموا قريشا، ولا تقدموها، ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار، وفيه عدي بن الفضل؛ وهو متروك، وليس هو عدي بن الفضل الذي في ثقات ابن حبان.
أحاديث عدم اعتبار الكفاءة في النكاح:
ويقابل هذه الأحاديث المروية في اعتبار الكفاءة مجموعة من الأحاديث التي تدل على أن العجمي كفؤ للعربية، وأن الكفاءة معتبرة في الدين والخلق، ومنها:
الحديث الأول: عن أبي نضرة، حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى أبلغت. رواه البيهقي في السنن الكبرى، والإمام أحمد في المسند، وصحح إسناده من حقق المسند.
الحديث الثاني: "الناس سواء كأسنان المشط"، مروي في مسند الشهاب، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وفيه (بشر بن غياث المريسي) وهو كما قال الذهبي: "مبتدع ضال لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة".
الحديث الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس القرشية الفهرية: انكحي أسامة بن زيد. فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت. رواه الإمام مسلم في الصحيح.
اعتبار الكفاءة في كلام الفقهاء:
وحين ننظر في كلام الفقهاء نجد أن المذاهب الأربعة متفقة على اعتبار الكفاءة، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك في خصالها، فالحنفية قالوا إن خصال الكفاءة تكون في: الدين، والحرية، والنسب، والحرفة، والمال، والمالكية جعلوا خصال الكفاءة في: الدين، والحرية، والحال (السلامة من العيوب)، والشافعية جعلوا الخصال المعتبرة في الكفاءة خمسة: الدين، والنسب، والحرية، والصناعة، والسلامة من العيوب، واليسار، والحنابلة في رواية جعلوها في الدين، والمنصب، والحرية، واليسار.
فجمهور العلماء على اعتبار النسب في الكفاءة، ولكنهم جعلوه شرط لزوم لا شرط صحة، فلا يلزم النكاح إلا بعد رضا المرأة ووليها، فلو رضيت هي ووليها صح العقد، والبعض جعله شرط صحة.
وفي كتب المذاهب اعتبارات أخرى، لكنها ليست معتمدة في المذاهب، بل هي آراء موجودة في كتبهم، ومن أكثر المذاهب التي اشتملت على مناقشة تلك الاعتبارات هم الشافعية، فيذكرون على سبيل المثال:
العلم: فكفاءة الجاهل للعالمة مما حصل فيها الخلاف في مذهب الشافعية على قولين، فقال الروياني باعتباره، ورجحه السبكي، والمعتمد عدم اعتباره.
الطول: فكفاءة القصير للطويلة، قال الأذرعي من الشافعية: "وفيما إذا أفرط القصر في الرجل نظر، وينبغي ألا يجوز للأب تزويج ابنته بمن هو كذلك، فإنه مما تعير به المرأة"، وصرح النووي بعدم اعتبار الطول والقصر في خصال الكفاءة.
والسن: فيناقشون كفاءة الشيخ للشابة، فنص الروياني على اعتباره، وضعفه الرملي، لكنه قال: ينبغي مراعاته، والمعتمد الذي نص عليه النووي في المجموع أن السن لا يعتبر، فالشيخ (كبير السن) كفؤ للشابة.
اعتبار الكفاءة بين النصوص والمقاصد:
من خلال ما سبق تبين أن كثيرا من النصوص التي استدل بها القائلون على اعتبار النسب في الكفاءة مرويات ضعيفة، والفقهاء ينصون على اعتبار العرف في هذه المسائل، والعرف إذا لم يخالف شرعا مقررا فإنه معتبر، ولو قال الفقيه بعدم اعتبار العرف في مسائل الكفاءة لأدى ذلك إلى نزاعات وخلافات تفضي إلى لحوق الضرر بالزيجات التي لا تراعي الكفاءة.
ولكن ينبغي اعتبار ميزان المصالح في هذه المسألة من خلال النظر في المآلات التي يفضي إليها التوسع في اعتبار العرف في الكفاءة، وذلك بالنظر إلى ما آل إليه الحال من تفشي ظاهرة العنوسة جراء التشددات والاشتراطات في الكفاءة، وانتشار العنوسة، وحرمان المرأة من الزواج في بعض المجتمعات، وهذا قد يجر إلى مفاسد ومحاذير كبيرة، فينبغي إعادة النظر بما يحقق مصلحة المرأة، من خلال الموازنة بين المصالح والمفاسد، واعتبار مقصود الشرع من الزواج، والقاعدة الشرعية أن درء المفسدة الراجحة مقدم على جلب المصلحة، والأصوليون يقولون ما عاد على أصله بالإبطال فلا اعتبار له، والكفاءة إنما اشترطت لمصلحة المرأة، واختيار الكفء لها، حتى لا ترتبط بمن يستحيل دوام العشرة معه، فإذا توسع العرف في اعتبارات تفضي إلى حرمانها من الزواج أصلا فإن هذا مناقض لمقصود الشرع، فقد روى الترمذي في سننه عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، ثلاث مرات.