- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
اختلف تعريف السنة النبوية بين الفقهاء والمحدثين والأصوليين، وربما قرأ بعض الطيبين التعريفات ورأى اختلافها فتولد عنده إشكال، ولكنه إذا رجع فعلم مقصد كل فريق زال من عنده الإشكال.
السنة في اللغة:
السنة في اللغة هي "الطريقة"، محمودة كانت أو مذمومة، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)[أخرجه مسلم)، وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع)[متفق عليه].
والسنة في اصطلاح المحدثين:
"ما أثر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أو بعدها" [قواعد التحديث: ص35]، وهي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم.
وأما عند الأصوليين:
فقد عرفها الأصوليون بأنها: "ما نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير".
فمثال القول: ما تحدث به النبي - صلى الله عليه وسلم - في مختلف المناسبات مما يتعلق بتشريع الأحكام كقوله - عليه الصلاة والسلام -: (إنما الأعمال بالنيات)[متفق عليه عن عمر بن الخطاب]، ومثل قوله في حديث عبد الله بن عمر: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) [رواه البخاري ومسلم].
ومثال الفعل: ما نقله الصحابة من أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في شؤون العبادة وغيرها، كأداء الصلوات، ومناسك الحج، وآداب الصيام، وقضائه بالشاهد واليمين.
ومثال التقرير: ما أقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضى، أو بإظهار استحسان وتأييد.
فمن الأول، إقراره - عليه الصلاة والسلام - لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)[متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه]. فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فأخرها إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أن المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النبي ما فعل الفريقان فأقرهما ولم ينكر عليهما.
ومن هذا أيضا أن الصحابة كانوا يتأدبون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الاستئذان عليه فكانوا يقرعون بابه قرعا رقيقا بأطراف الأصابع تأدبا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد علمه بالضرورة منهم، ولم ينكر عليهم ذلك، وقد روى ذلك أنس رضي الله عنه فقال: (إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير)[رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني].
ومن الثاني: ما روي أن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أكل ضبا قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أن يأكله، فقال بعض الصحابة: أو يحرم أكله يا رسول الله؟ فقال: (لا ولكنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه) [متفق عليه عن ابن عباس].
وقد تطلق السنة عندهم على ما دل عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو اجتهد فيه الصحابة، كجمع المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، ويقابل ذلك البدعة ومنه حديث العرباض بن سارية وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور) [الترمذي وقال حسن صحيح].
وأما السنة في اصطلاح الفقهاء:
فهي "ما ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: "طلاق السنة كذا، وطلاق البدعة كذا" [إرشاد الفحول للشوكاني: ص 31].
وإنما مرد هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي يعني بها كل فئة من أهل العلم:
فعلماء الحديث إنما بحثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإمام الهادي الذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال، سواء أثبت ذلك حكما شرعيا أم لا.
وعلماء الأصول إنما بحثوا عن رسول الله المشرع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده: ويبين للناس دستور الحياة، فعنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام وتقررها.
وعلماء الفقه إنما بحثوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا تخرج أفعاله عن الدلالة على حكم شرعي، وهم يبحثون عن حكم الشرع على أفعال العباد وجوبا أو حرمة أو إباحة أو غير ذلك.
ولهذا لم يكن الاختلاف في التعريف لاختلاف في الفهم، وإنما للاختلاف في مقصد الاستدلال منها، فجزى الله عنا العلماء خيرا، وصلى الله وسلم وبارك على خير البريات، وأفضل المخلوقات، وعلى آله وصحبه وسلم.