من أسباب الغلو الخطأ في تفسير وتنزيل أحاديث آخر الزمان

0 204

أحاديث آخر الزمان أو أحاديث الفتن: هي الأحاديث التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم عما سيقع آخر الزمان من أحداث وفتن وحروب ونحو ذلك، وهذه الأحاديث المبينة لتلك الفتن المحذرة منها؛ قد أخذت حيزا لا بأس به بين أحاديثه صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم إذ يحذر أمته فتن آخر الزمان فإنما يسير على سنن الأنبياء قبله، الذين حذروا أممهم من أعظم الفتن، فتنة المسيح الدجال، قال صلى الله عليه وسلم: ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر رواه البخاري.

إضافة إلى أنه صلى الله عليه وسلم قد زاد كثيرا عما ذكره الأنبياء مما سيقع آخر الزمان من فتن وأحداث، فذكر أنه سيخرج دجالون يدعون النبوة، وذكر كثرة الهرج، وقبض العلم، والاقتتال والحروب بين المسلمين واليهود، وذكر الزلازل والفتن، كفتنة خروج يأجوج ومأجوج، وسمى في تلك الفتن بعض الأمور بأسمائها كأسماء بعض البلدان كالغوطة في دمشق، والطائفة التي تكون في بيت المقدس، وذكر جفاف بحيرة طبرية وعين زغر، وعدم إثمار نخل بيسان، وغير ذلك كثير مما ذكره صلى الله عليه وسلم من إشارات وعلامات آخر الزمان.
 
وقال صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر... رواه مسلم.
 
وكان من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه له عناية خاصة بالسؤال عن مثل هذه الأحداث والفتن التي ستكون آخر الزمان، حتى إنه رضي الله عنه قد عرف بها، هذا إضافة إلى علمه بغيرها من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته عموما، وقد قال رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك رواه البخاري، وقال رضي الله عنه: تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر رواه البخاري. يقصد بذلك رضي الله عنه ما كان تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخبار الفتن وأحداث آخر الزمان، والموقف منها.
 
وثمة أمور كثيرة يجب على المسلم أن يتعلمها عن هذه الأحاديث، ومن ذلك ما يأتي:
 
1. أن سؤال حذيفة للنبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الأحاديث واهتمامه بها كان بمثابة الاستثناء من الأصل، فالأصل الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه -كما قال حذيفة- هو السؤال عن الخير وتعلمه والاهتمام به؛ لأنه أكثر الشريعة وجلها، وأما ما سيكون آخر الزمان من فتن وحروب فهو قليل مقابل تلك الكثرة، ولذا يجب على المسلم ألا يحول ذلك الاستثناء إلى أصل فيجعل همه معرفة هذه الأحاديث ثم تنزيلها على واقعه، ويغفل تعلم أحكام الدين وواجباته، بل الواجب هو السؤال عن الخير كما كان جل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
2. أن موقف المسلم مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث الفتن وما سيقع آخر الزمان؛ أن يؤمن بها كلها، سواء فهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أم لم يفهمه، ثم إن أراد معرفة معنى حديث من تلك الأحاديث أن يرجع إلى أهل العلم الذين أمر الله تعالى بسؤالهم، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43].
 
3. أنه ينبغي للمسلم أن يكون عالما بأهم ما سيقع آخر الزمان من أحداث وفتن مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ويهتم به ويعلمه من حوله إن استطاع، لأن ترك ذلك يفضي إلى نسيانه ومن ثم إلى إنكاره أو الاستخفاف به، وقد اهتم سلفنا الصالح بذلك، فصنفوا الكتب الخاصة بجمع أحاديث الفتن والملاحم، وكانوا يحضون على تعلم ذلك، قال السفاريني: "مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال، وقد قال ابن ماجه: سمعت الطنافسي يقول: سمعت المحاربي يقول: ينبغي أن يرفع هذا الحديث -يعني حديث الدجال- إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب"، ولكن هذا لا يعني -كما ذكرنا سابقا- أن يقدم العلم بهذه الأحاديث على غيرها من تعلم الواجبات، إنما يكون منهج المسلم منها منهج الكتاب والسنة، وهو منهج الوسطية، فلا هو يتركها ويستخف بها، ولا هو يغرق في الإقبال عليها، ويقدمها على غيرها حتى لا يقع في الغلو الذي حذرنا الإسلام منه.
 
ومن يتابع مسيرة حركات الغلو والتطرف قديما وحديثا يجد أن من أبرز أسباب ضلالهم وغلوهم الإغراق في تفسير أحاديث الفتن وما سيقع آخر الزمان، حتى وصل الأمر ببعض أرباب تلك الجماعات أن أسقطوا بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، وذلك كحال الجماعة التي نظرت إلى واقعها وإلى أحاديث الفتن وآخر الزمان؛ فرأت أنها تعيش آخر الزمان الذي سينزل فيه عيسى عليه السلام، وأخذت تبحث عن صفات الجماعة التي ستكون معه، فوجدت تلك الصفات فيها، فادعت أنها جماعة عيسى بن مريم عليه السلام؛ فقال كبيرهم: "هذه الإشارات بينت أننا سندرك عيسى بن مريم -إن شاء الله- ولكن التحديد الزمني الدقيق لا نعلمه الآن...، نحب أن يشرفنا الله أن نكون أتباع محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس، وأصحاب عيسى الذين سوف يجد منهم خلفاء من حوارييه، والذي سيكون فيهم خير جيش وخير الشهداء". إلى آخر كلامهم في ذلك.
 
إن خطورة الكلام السابق لا تنبع من كون هذا المغالي في دين الله تعالى قد نزل بعض أحاديث آخر الزمان على نفسه وعلى جماعته؛ وإنما مما بناه على ذلك من أن جماعته هي جماعة المسلمين التي ينبغي الدخول فيها وموالاتها، وأن ذلك شرط من شروط الإيمان، وأن من عداها ليس بمسلم، أي كافر مستباح الدم.
 
فكان الخطأ في تفسير وتنزيل أحاديث آخر الزمان من أعظم أسباب غلو هذه الجماعة وفسادها، وكذا كان حال غيرها من الجماعات التي أغرقت في تفسير أحاديث المهدي وتنزيلها على رجل منهم دون دليل؛ فسفكت الدم الحرام، واستباحت الحرمات، وكان أعظمها حرمة البيت الحرام، والحق كل الحق في اتباع المنهج الوسط في هذه الأحاديث، وهو المنهج الذي كان عليه أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة