- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:
فقد تكلمنا في مقال سابق عن الصبر على طاعة الله عز وجل، والصبر عن معاصيه سبحانه، وفي هذا المقال نتكلم عن الصبر على البلاء والشدائد التي تصيب العبد.
ومما هو معلوم ومستقر يبين البشر أنه لا يخلو إنسان من ابتلاء أو شدة، أما المؤمن فإن أمره كله له خير كما قال رسول الل صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له".
وقد أمر الله سبحانه بالصبر فقال: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}(آل عمران: 200). وبين لقمان في وصيته لولده أن الصبر صفة أولي العزائم، قال سبحانه حاكيا عن لقمان {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان: 17).
إن الله عز وجل لا يبتلي المؤمن لهوانه عليه، ولكن ليرفع درجته ويكفر عنه سيئاته، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها". ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة ".
ومن رحمة الله بالصابرين أن الفرج منهم قريب ولن يغلب عسر يسرين: {فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا} (الشرح: 5-6).
فما شدة يوما وإن جل خطبها بنازلة إلا سيتبعها يسر
وإن عسرت يوما على المرء حاجة وضاقت عليه كان مفتاحها الصبر
قال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزع منه، ثم قرأ: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}(الزمر: 10).
من الوسائل المعينة على الصبر على البلاء:
1- أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه.
2- أن يعلم أن البلاء بمثابة الدواء وأن في عقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم مالم تحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الداء ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: 216). وقال الله تعالى: {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء: 19).
قال يحيى بن معاذ: (حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا).
3- أن يعلم أن الصبر عند الصدمة الأولى ويتجنب الجزع فهو لا ينفعه، بل يزيد من مصابه، قال ابن القيم: (إن الجزع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور).
4- أن يتسلى المصاب بمن هم أشد منه مصيبة:
قال ابن القيم: (ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟! ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟! وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت دهرا، وإن متعت قليلا خيرة إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور).
5- أن يعلم أن ابتلاء الله له هو امتحان لصبره:
يقول ابن قيم الجوزية في ذلك: (أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين أرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ولا ليعذبه به ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله وليراه طريحا ببابه لائذا بجنابه مكسور القلب بين يديه رافعا قصص الشكوى إليه).
6- أن يعلم أن مرارة الدنيا هي حلاوة الآخرة:
قال ابن القيم: (إن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات". وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق، وظهرت حقائق الرجال، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول، ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد، ولا ذل ساعة لعز الأبد، ولا محنة ساعة لعافية الأبد، فإن الحاضر عنده شهادة، والمنتظر غيب، والإيمان ضعيف، وسلطان الشهوة حاكم، فتولد من ذلك إيثار العاجلة ورفض الآخرة).
7- أن ينظر إلى نعم الله تعالى عليه، ولا ينشغل بالمفقود، فإنه إن تأمل وجد أنه محاط بنعم الله من كل جانب، فقد جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه، واغتماما بذلك، فقال: أيسرك ببصرك مئة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا. قال: فبلسانك؟ قال: لا. قال: فبعقلك؟ قال: لا... في خلال. وذكره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة؟!.
وليتأس العبد المبتلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال: فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئا".
وأما صبره صلى الله عليه وسلم على مشاق الحياة وشدتها فكثير، يكفي في ذلك قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لعروة: ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا.
وأما صبره صلى الله عليه وسلم على فقد الأولاد والأحباب:فقد نشأ يتيما ومات جده وأمه وهو صغير ثم مات عمه أبو طالب، وتوفيت زوجته خديجة، وتوفي أولاده كلهم في حياته إلا فاطمة، وقتل عمه حمزة، فصلوات ربي وسلامه عليه.
قال الشاعر:
اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
أوما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمدا ومصابه فاذكر مصابك بالنبي محمد