اليوم الآخر.. وصحائف الأعمال

0 359

الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان، وركن من أركان هذا الدين لا يتم إيمان أحد حتى يؤمن به.
كما جاء في حديث جبريل المعروف بحديث الدين، والذي رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب، وفيه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان.. فكان مما سأله عنه (قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)[متفق عليه].
والله تبارك تعالى قال وهو يعدد أعمال الإيمان: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين...) الآية[البقرة:177].
وقال تبارك وتعالى: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا)[النساء:136].

اهتمام القرآن باليوم الآخر:

والقرآن الكريم من تدبره يجد أنه يهتم كثيرا باليوم الآخر والإيمان به وتقريره والتنبيه عليه في كل مناسبة، وبصور متعددة ومتغيرة؛ تنبيها للنفوس وتذكيرا لأولي الألباب.. فمن مظاهر هذا الاهتمام:
1 ـ كثرة الحديث عنه:
فلا تكاد تقرأ صفحة من صفحاته إلا وتجد ذكرا لهذا اليوم أو بعض أهواله أو الأحداث التي تقع فيه، أو نتائجه وعواقبه من جنة أو نار أو عذاب أو عقاب أو وصف الجنة ونعيمها أو النار وجحيمها..

2ـ ربطه بالإيمان بالله:
فلا يكاد يذكر الإيمان بالله إلا ويذكر معه الإيمان باليوم الآخر، حتى يكاد يكون هذا متلازما؛ دلالة على مكانته وعظيم شأنه، وأنه علامة على إيمان صاحبه بربه، ونتيجة لإيمان المسلم بالله.
ـ قال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين...)[البقرة:177].
ـ وقال: (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[البقرة:62].
ـ وقال: (ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر)[البقرة:232].
ـ وقال: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)[التوبة:29].

والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته كذلك، يقرن بين الأمرين:
. فقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت).
. وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره).
. وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).وكلها متفق عليها أخرجها البخاري ومسلم.
والأحاديث على هذه الشاكلة كثيرة جدا، يلحظها كل من قرأ شيئا من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

3 ـ كثرة أسمائه وأوصافه:
والشيء إذا عظم قدره وكبر شأنه، وعظمت أحواله وجلت أحداثه وأهواله كثرت مسمياته: فهو اليوم الآخر، ويوم القيامة، ويوم البعث، ويوم الفزع، ويوم الحشر، ويوم النشور، ويوم الدين، ويوم الحساب، ويوم الجزاء، ويوم الفصل، ويوم الخروج، يوم الخلود، ويوم التغابن، ويوم التلاقي، ويوم التنادي، ويوم الحسرة.. إلى غير ذلك من أسمائه وأوصافه.

تذكر يوم الدين
وإنما أكثر الله تعالى في القرآن الكريم، وكذلك أكثر النبي المصطفى الكريم من ذكر هذا اليوم ليكون منا على بال، وحتى لا يغيب عنا؛ لأنه إذا غاب عن أذهاننا ركنا إلى هذه الحياة الدنيا فساء العمل، لأجل هذا حذرنا الله من نسيانه والذهول عنه، قال جل في علاه: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ۖ ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)[البقرة:281].

وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ، فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا).

والقرن: هو البوق العظيم، وهو الصور الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، نفختين أو ثلاثة.. فنفخة الفزع في سورة النمل، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، كما في سورة الزمر، وإذا كانت نفخة الفزع هي نفخة الصعق فهما نفختان.. قال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء اللهۖ ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)[الزمر:68].

فإذا نفخ فيه نفخة الصعق والفزع مات كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله، ثم يلبث ما شاء الله له أن يلبث ثم ينفخ فيه نفخة البعث فإذا هم قيام ينظرون، وإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون، كلهم يتوجه إلى أرض المحشر كأنهم إلى نصب يوفضون، ليقفوا في هذا اليوم العظيم، فيلاقوا يوما عبوسا قمطريرا، ويوما كان شره مستطيرا، فيه من الأهوال والهم والغم والعظائم ما لا يتحمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تحشرون حفاة عراة غرلا قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك)[رواه البخاري]. وكما قال تعالى: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)[عبس:37].

وقد روي أن الشمس تدنوا من الرؤوس بمقدار ميل فتغلي أدمغة الناس وتحترق أبدانهم ويغرقون في عرقهم، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد بن الأسود: (تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل - قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل؛ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟ قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه).

يقف الناس يوما مقداره خمسين ألف سنة، قال بعض أهل العلم: يبقون ثلثمائة سنة من أيام الدنيا لا يكلمهم أحد، ولا يأتيهم خبر، ولا يأتمرون فيه بأمر، فيقفون حتى يصيبهم من الغم مالا يتحمل، فيتمنون لو ينصرفون ولو إلى النار، فيذهبون إلى الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند الله ليبدأ الحساب، كما في حديث الشفاعة المشهور.

يوم الكرب العظيم
في هذا اليوم هناك هموم كثيرة وغموم وأهوال وعظائم يشيب لها الولدان، وتضع لها الحوامل، وتذهل لها عقول الناس كأنهم سكرى من شدة الشراب، وستقع أمور هائلة وأحداث مرعبة، منها تطاير الصحف فآخذ بيمينه ناج، وآخذ بشماله هالك أو من وراء ظهره، ومنها الميزان فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، ومن خفت موازينه فأمه هاوية في نار حامية، والحساب فمعروض عليه ناج ومناقش مشدد عليه معذب، ومنها الوقوف بين يدي الله فلا حول ولا قوة إلا بالله، وبعد ذلك الصراط الرهيب، ثم إلى جنة أو إلى نار.. ولذلك لا يتكلم في ذلك اليوم إلا الأنبياء ومن أذن له، ودعاء النبيين يومئذ "رب سلم سلم".

كتابك وأعمالك
غير أن كل ما يحدث في هذا اليوم للإنسان إنما هو الذي يصنعه، فأساسه شيء واحد وهو الكتاب الذي سيحاسب عليه يوم القيامة، وهو عمله في هذه الدنيا، أي أنه هو الذي سيحدد مصيره بيده، وسيكتب على نفسه ما سيكون له من سعادة أو شقاوة، كما قال الله تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقهۖ ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)[الإسراء:13، 14].
اقرأ كتابك: أي كتاب أعمالك الذي سطرته أنت بأفعالك وأقوالك وأعمالك في هذه الحياة الدنيا، فإنما فقط (كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)[الجاثية:29]. وقال سبحانه جل في علاه: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاهاۚ ووجدوا ما عملوا حاضراۗ ولا يظلم ربك أحدا)[الكهف:49].

إذا أردت النجاة
إذا أردت أن تنجو من هول هذا اليوم العظيم فاسطر في كتابك ما تحب أن تلقاه عند الله تبارك وتعالى.
إذا أردت أن تنجو من هول هذا اليوم العظيم فانتبه لما تفعله وتقوله وتعمله في هذه الحياة فإنك لن تعدو كتابك ولن تحاسب إلا على ما اقترفته يداك، واكتسبه قلبك وجوارحك.. (إنما تجزون ما كنتم تعملون)[التحريم:7].
نسأل الله أن ينجينا من كربات يوم القيامة، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ويجعلنا من الفائزين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة