- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مواقف نبوية
جمعت السيرة النبوية حياة النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته ومواقفه، والتي من خلال تأملها ودراستها يستنبط العلماء الأحكام الشرعية التي ينتفع بها المسلمون على مر التاريخ والعصور، ويتحول الحدث والموقف إلى دروس وعبر، وحكم وأحكام، ومن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم ونهيه لأصحابه عن طاعة المخلوق في معصية الخالق سبحانه، وقوله لهم: (لا طاعة في معصية الله).
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية (قطعة من الجيش لا تزيد على أربع مائة)، فاستعمل (عين وأمر) رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب (حدث أثناء سفرهم أن غضب هذا الأمير، أو أغضبوه في شيء)، فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا (قصدوا أن يدخلوها تنفيذا لأمر النبي لهم بطاعة أميرهم) وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار (أي: إنهم أسلموا ليفروا من نار الآخرة، فكيف يؤمرون بدخولها في الدنيا؟!)، فما زالوا حتى خمدت (انطفأت) النار، فسكن (هدأ وانتهى) غضبه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف) رواه البخاري. وفي رواية مسلم: (فقال صلى الله عليه وسلم للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف).
قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح": "في هذا الحديث من الفقه أنه تجوز طاعة الأمير إلى الحد الذي لا ينتهي إلى معصية الله عز وجل، فإذا انتهى إليها فحينئذ لا طاعة له ولا لغيره".
وقال النووي في "شرح مسلم": "قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا، وقال: ادخلوها) إلى قوله: (لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف) هذا موافق للأحاديث الباقية أنه لا طاعة في معصية، إنما هي في المعروف، وهذا الذي فعله هذا الأمير، قيل: أراد امتحانهم، وقيل: كان مازحا، قيل إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي وهذا ضعيف لأنه قال في رواية: رجل من الأنصار، فدل على أنه غيره، قوله صلى الله عليه وسلم (لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) هذا مما علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي، وهذا التقييد بيوم القيامة مبين للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها".
وقال ابن حجر في "فتح الباري": "وفيه أن الأمر المطلق لا يعم جميع الأحوال، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير، فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب وفي حالة الأمر بالمعصية فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية".
وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "قال محمد بن جرير: في حديث علي (الطاعة في المعروف) وحديث ابن عمر (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) البيان الواضح عن نهي الله على لسان رسوله عباده عن طاعة مخلوق في معصية خالقه، سلطانا كان الآمر بذلك، أو سوقة (عامة الناس)، أو والدا، أو كائنا من كان. فغير جائز لأحد أن يطيع أحدا من الناس في أمر قد صح عنده نهى الله عنه".
وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير": "(إنما الطاعة) يشتمل أن اللام للعهد أي المأمور بها في الآية لقوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(النساء:59)، فالمراد طاعة الأمراء، لأن طاعة الله ورسوله لا تكون إلا (في المعروف)، ويدل له سبب الحديث وهو أنه أمر صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه على سرية وأمرهم بطاعته، فأمرهم (أميرهم) أن يوقدوا نارا ويدخلوها، فأبوا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها).. ويحتمل أنه عام لطاعة كل من أمر بطاعته من الأمراء أو الزوج والوالدين وغيرهم".
وقال السعدي: "هذا الحديث: (إنما الطاعة في المعروف) قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف".
طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة:
طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة لما فيها من طاعة لله تعالى، قال الله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}(النساء:80). وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). قال الآجري: "فرض الله تعالى على الخلق طاعته صلى الله عليه وسلم في نيف (من واحد إلى ثلاثة) وثلاثين موضعا من كتابه عز وجل". وقال ابن تيمية: "وقد أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته"..
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" عند كلامه على وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}(النساء:59). هذه الآية: "أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذانا بأنهم إنما يطاعون تبعا لطاعة الرسول، فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر منهم بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (إنما الطاعة في المعروف) وقال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما أمرهم أميرهم بدخولها: (إنهم لو دخلوها لما خرجوا منها)، مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم، وظنا أن ذلك واجب عليهم، ولكن لما قصروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر بمعصية الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يرده صلى الله عليه وسلم وما قد علم من دينه إرادة خلافه، فقصروا في الاجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبيت وتبين،هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا؟، فما الظن بمن أطاع غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله".
طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة، لأنه لا يأمر بمعصية، ولا ينهى عن خير، فهو معصوم بعصمة الله عز وجل له، وطاعته صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل، قال الله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}(النساء:80). أما طاعة غيره من البشر ـ وإن كان من أصحاب الحقوق علينا ـ فتتوقف على طاعته لله عز وجل، وطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ما يأمر به من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقوله صلوات الله وسلامه عليه لأصحابه الذين هموا أن يلقوا أنفسهم في النار التي أوقدها لهم أميرهم: (لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة)، وقال للآخرين: (لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف)..