رسالة الإنسان في الحياة

0 260

لكل مخلوق في كون الله مهمة ورسالة، وله هدف وغاية خلقه الله تعالى لها.. والإنسان أحد هذه المخلوقات، بل هو أكرمها عند الله، لم يخلقه الله عبثا (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون.فتعالى الله الملك الحق ۖ لا إله إلا هو رب العرش الكريم }[المؤمنون:15، 16]، ولن يتركه سدى وهملا {أيحسب الإنسان أن يترك سدى}[القيامة:36].}.. وإنما خلقه الله تبارك وتعالى لغاية نبيلة ولهدف عظيم
لقد خلقت لأمر لو فطنت له .. .. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

وقد اختصر الله مهمة الإنسان في آية، وبين كيفية تنفيذ هذه المهمة في آية أخرى:
أما المهمة ففي قوله سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.[الذاريات:56].
وأما تنفيذها ففي قوله سبحانه: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}[الأنعام:162 ].

ثقافة تحديد الأهداف
تحديد الأهداف ومعرفة رسالة الإنسان في الحياة هما مدخل السعادة، وعنوان النجاح، وأصل التفوق، وأساس إرضاء الذات. فإذا عرف الإنسان دوره فستضيء روحه وتشرق، وتعيش سعادة لا توصف.. فاعرف غايتك واعرف رسالتك وجند لها نفسك وعش لأجلها.

فهما أمران إذا:
إقامة العبودية لله: لأن الإنسان بلا إيمان ضائع في الحياة، و بلا رسالة متحير ، وبلا مبادئ هائم نكد تعس شقي {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}[طه:124].
إذا الإيمـان ضــاع فلا أمـان .. .. ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين .. .. فقــد جعـل الفناء لها قرينا
فمن أراد السعادة الأبدية، فليلزم عتبة العبودية {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}[النحل:97].

والثاني: استخلاف في الأرض وإعمار لها على مراد الله، وإقامة أمره وذكره فيها. 
وإذا لم يقم الإنسان بمهمته وعطل الأدوات التي كرمه الله بها ليكون خليفة على الأرض صار أدنى من الحيوان البهيم {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ۖ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ۚ أولئك كالأنعام بل هم أضل ۚ أولئك هم الغافلون}[الأعراف:179].

مفهوم العبودية
والعبودية التي خلق الله الإنسان لتحقيقها إنما هي العبودية بمعناها الشامل المتكامل، فالعبادة هي النداء الأول في كل رسالة، وهي أول أمر جاء في المصحف الشريف، وهي الغاية من خلق الإنسان، ولكنها العبودية التي تمتد لتشمل مع إقامة الدين كله، إعمار الحياة كلها، وبناء الإنسان كله، وتسخير الأرض لخدمة الإنسان، وإعمارها على وفق مراد خالقها، وهي تشمل كل عمل طيب وكل قول جميل، وتتسع أيضا لتشمل الإحسان إلى كل شيء في الوجود حتى الإنسان والحيوان والنبات، (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)[رواه مسلم]، وكذلك تمتد لكل مجالات الحياة وجوانب المعيشة الديني منها والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والحضاري.

إن حصر العبودية في أركان الإسلام الخمسة، أو الجلوس في مسجد لصلاة فرض أو نفل أو الطقطقة بمسبحة، أو همهمة بذكر - وإن كان كل هذا طيبا جميلا – إلا أن حصر العبودية فيه فقط هو ظلم لمفهوم العبودية.. فالعبودية في المسجد وفي البيت وفي الشارع وفي المصنع وفي السوق وفي المتجر، وفي المدرسة والجامعة، وفي كل مكان يصل إليه الإنسان يمكنه أن يقيم فيه عبودية من العبوديات.

إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الكلمة الطيبة صدقة، والبسمة في وجه الناس صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وغرس شجرة يستظل بها الناس يوما صدقة، ومساعدة الإنسان في ركوب دابته، وحمل متاعه عليها، والسعي في قضاء حوائج الناس صدقات وعبوديات، حتى جعل سقيا كلب أرهقه العطش صدقة، والإحسان إلى الحيوان البهيم صدقة، وجعلها كلها مندرجة تحت مسمى العبادة، كما أنه جعل الصلاة والصيام والحج والبر وصلة الرحم، والإصلاح بين الناس، وكفالة اليتيم والأرملة والمسكين صدقات وعبوديات.

ومن العبودية السعي للكسب والعمل المشروع وبذل الجهد للنفقة على الزوجة والعيال، أو إعفاف النفس عن الحرام، وإكرام الضيف، والإحسان إلى الجار. واتسع مفهوم العبادة والعبودية ليجعل فيما يطعمه الإنسان زوجه صدقة، وجعل في بضع أحدنا صدقة.

وإن من أجل العبوديات إتقان العمل وإحسانه (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)[أخرجه أبو يعلى والطبراني، وقد صححه الألباني بشواهده].

فالعبادة تشمل الحياة كلها، والدين كله، والإنسان كله، والمخلوقات كلها.. ومن أصلح نيته صارت أعماله كلها عبادة، ومن صحح وجهته امتلأت حياته كلها سعادة.

الاستخلاف في الأرض
لقد كرم الله تبارك وتعالى الإنسان، خلقه بيده، نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، وطوع له العقل، وهيأ له الفطرة، ووهبه من الميزات ما لم يهبه لشيء سواه من خلقه.

ثم حمله بعد ذلك أمانة التكليف، وخلافة الأرض كما قال سبحانه للملائكة: {إني جاعل في الأرض خليفة}[البقرة:30]، وقال سبحانه: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض}[الأنعام:156]، وقال: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره}[فاطر:39]..
فكل منحة مقابلها تكليف {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان}[الأحزاب:72].

ولتسهيل هذا الاستخلاف سخر له ما في السموات وما في الأرض، {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه}[الجاثية:13]؛ ليكون في خدمته انتفاعا واعتبارا واختبارا، وليكون عونا له في خلافة الأرض وعمارتها بأمر الله تعالى وعلى مراده، والإصلاح فيها ونشر الخير والعدل والأمن والطمأنينة.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة