التخاذل طريق الهوان

0 260

الخذلان هو ترك الإعانة والنصر والإغاثة، وهو من الصفات الذميمة التي تستجلب الذل والهوان؛ ولهذا قال بعضهم:
إذا ما أراد الله ذل قبيلة     رماها بتشتيت الهوى والتخاذل
وقال طالب بن أبي طالب:
ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا      فأردتهم الأيام واجترحوا ذنبا
وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره "رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: (وأما: لا يخذله. فقال العلماء: الخذل: ترك الإعانة والنصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعي).
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك"رواه البخاري.
قال ملا علي القاري: (... "من خذلهم" أي: من ترك عونهم ونصرهم).
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على نصرة المسلم لأخيه المسلم ، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالـما أو مظلوما" قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالـما؟ قال: "تأخذ فوق يديه"رواه البخاري. بمعنى منعه من الظلم.
وقال تعالى: {لا تجعل مع الله إلـها آخر فتقعد مذموما مخذولا} [الإسراء: 22].
قال ابن كثير: (مخذولا لأن الرب تعالى لا ينصرك، بل يكلك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرا ولا نفعا؛ لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له).
وقال تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران: 26].
قال أبو حيان الأندلسي: (وتعز من تشاء وتذل من تشاء قيل تعز بالتوفيق والعرفان، وتذل بالخذلان).
وقال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 27-29].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (يخذله عن الحق، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه).

أسباب الوقوع في الخذلان
للوقوع في الخذلان أسباب كثيرة، منها:
1- الافتراق والاختلاف في الدين، قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال: 46].
2- الاستعانة بغير الله قال ابن القيم: (فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله، كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، وأوهن البيوت).
3- طاعة الكافرين والمنافقين: قال تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} [الأحزاب: 48].
4- الركون إلى الظالمين: قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} [هود: 113].
5- التكالب على الدنيا وكراهية الموت، والإغراق في اللهو وطلب الراحة.
6- العجب: فالعجب طريق إلى خذلان المرء، بحيث يكل الله العبد إلى نفسه فلا ينصره، وقد قال -جل وعلا-: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} [التوبة: 25].
7- الجبن وسوء الرأي: قال ابن القيم: (وصحة الرأي لقاح الشجاعة، فإذا اجتمعا كان النصر والظفر، وإن قعدا فالخذلان والخيبة).
8- عدم الرضا بالقضاء والقدر: قال الماوردي: (معاند القدر مخذول).
9- قطع الأرحام: قال الماوردي: (تعاطف الأرحام، وحمية القرابة يبعثان على التناصر والألفة، ويمنعان من التخاذل والفرقة).
10- القرب من السفلة واطراح ذوي الأحساب والمروءات: قال الأبشيهي: (من قرب السفلة واطرح ذوي الأحساب والمروءات استحق الخذلان).

ومن صور الخذلان:
1- خذلان المظلوم:
من صور الخذلان الشائعة بين الناس خذلان المظلوم، بمعنى عدم دفع الظلم عنه عند القدرة، وقد عدها بعض العلماء من الكبائر، فإن من أمكنه نصر المطلوم ولم يفعل فقد فعل محرما لمخالفته للأمر الشرعي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: تحجره عن الظلم فإن ذلك نصره". (رواه البخاري).

2- الخذلان عند الجهاد:
خذلان المسلمين وعدم نصرتهم عند جهادهم لعدوهم لا سيما عند اعتداء هؤلاء الأعداء على المسلمين صفة من صفات المنافقين، قال الله تعالى فيهم: {وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون.الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} (آل عمران: 167-168).

روى الطبري بإسناده مرسلا قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط -بين أحد والمدينة- انخذل عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟ فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوهم. فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه، وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- خذلان المسلم بترك الدفع عن عرضه:
روى الهيثمي عن جابر بن عبد الله وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".

إن الأمة إذا ارادت أن تنهض وتعز وتسود فلا بد لها من التناصر والتعاون والتكاتف، وترك التخاذل. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة