- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:القرآن الكريم
من الآيات الكونية التي تدل على عظمة الخالق سبحانه وحسن تدبيره وصنعه قوله عز وجل: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} (آل عمران:190-191) ففي هاتين الآيتين تحد لعقولنا، فالله تعالى يخبرنا أنه بخلقه للسموات والأرض وحدوث اختلاف في الليل والنهار آيات علينا التفكر بها، وهذه الآيات تتضح {لأولي الألباب} هؤلاء هم الذين يتفكرون في هذا الخلق، ويقولون: {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}.
الإعجاز العلمي يظهر في اختلاف الليل والنهار في قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} فالسماوات والأرض خلق عظيم ونادر؛ لأن فيه من المواصفات ما يندر وجودها في الكواكب الأخرى، ولا مكان للعشوائية فيها.
فما المراد بـ (اختلاف الليل والنهار)؟
من المؤكد أنه لا يتعلق بوجود الضوء من عدمه، لأن الآية لم تقارن بين الليل والنهار، وانما اختلاف الليل مع الليل والنهار مع النهار، فالمراد بـ (اختلاف الليل والنهار) -بحسب ابن كثير- تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا، فيطول الذي كان قصيرا، ويقصر الذي كان طويلا، وكل ذلك تقدير العزيز العليم، ولهذا قال تعالى: {لآيات لأولي الألباب} أي: العقول التامة الذكية، التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم: {وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} (يوسف:105). ونحو ما ذهب إليه ابن كثير في تفسير الآية ما ذكره الشوكاني في تفسيرها أيضا من أن المراد: "تعاقبهما، وكون كل واحد منهما يخلف الآخر، وكون زيادة أحدهما في نقصان الآخر، وتفاوتهما طولا، وقصرا، وحرا، وبردا وغير ذلك، وفي كل ذلك دلالات واضحة، وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه".
وقد ورد مصطلح (اختلاف الليل والنهار) في سور: البقرة، وآل عمران، ويونس، والمؤمنون، والجاثية، ففي هذه السور تركيز وتأكيد على هذا الخلق، وأن التفكر بهذا الخلق، يتطلب معرفة السبب المؤدي لاختلاف طول النهار والليل واختلاف حرارة الأيام خلال السنة.
تدور الأرض حول الشمس بمدار شبه دائري، أي ان المسافة بين الأرض والشمس شبه متساوية، وهذا يعني أنه من المفترض ان يبقى الليل والنهار متساويان في الطول وتكون الحرارة متشابهة في نفس المكان وعلى مدى السنة، ولكن هذا عكس الواقع، إذ يكون النهار قصيرا وباردا في فصل الشتاء وطويلا ودافئا في الصيف. وهذا ما طلب الله منا ان نتدبره أو نعقله أو نتفكر به.
السبب في هذا الاختلاف هو أن محور دوران الأرض حول نفسها يميل بمقدار 23.5 درجة عن محور دوران الأرض حول الشمس كما هو مبين في الصورة التالية، ففي فصل الصيف، تكون الشمس عامودية على مدار السرطان وبذلك يكون تركيز أشعة الشمس أعلى على النصف الشمالي من الكرة الأرضية والمساحة المعرضة للشمس أكبر، وهذا يفسر ارتفاع الحرارة في الصيف وطول النهار.
يحدث العكس في فصل الشتاء، إذ يكون النصف الشمالي معرضا لكمية اقل من اشعة الشمس ويكون تركيز أشعة الشمس أقل لكل وحدة مساحة، مما يجعل النهار أقصر والحرارة أقل من الصيف، ففي فصل الشتاء، تكون الشمس عامودية على مدار الجدي في النصف الجنوبي.
لكي يكون هناك (اختلاف الليل والنهار) يتوجب توفر الشروط التالية:
1- دوران الأرض حول نفسها.
2- دوران الأرض حول الشمس.
3- ميل محور دوران حول نفسها بقدار (23.5) درجة عن محور دوران الأرض حول الشمس.
4- ان تكون الأرض كروية.
5- أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس. وهذا ما تحدانا الله به! فتخلف أي شرط من هذه الشروط، لن تكون الحياة على ما هي عليه اليوم!
كان المسلمون يعرفون علميا أن الأرض كروية الشكل، فقد كتب أحمد بن عمر أبو علي ابن رسته، المتوفي تقريبا (300 هـ-912م)، أي قبل جاليليو بـ (700) سنة، بأن الأرض كروية مقسمة الى (360) درجة وهناك خط الاستواء وحدد مدارا السرطان والجدي، وميلهما عن خط الاستواء بـ (24) درجة. وكتب بأن اليوم مقسم الى (24) ساعة.
في حال عدم وجود (اختلاف الليل والنهار)، وبعيدا عن التقدم الحضاري في القرن الأخير، فستكون الحياة مملة بعض الشيء، كل يوم سيكون مثل سابقه، ولن تكون هناك فصول أربعة، ولن تكون هناك رياح جارية (تصريف الرياح)، ولن تكون هناك هجرة للحيوانات والطيور، ولن تكون هناك مراع، أو حتى قمح، {والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى} (الأعلى:4-5) وستبقى حياة البشرية ضمن تجمعات محصورة في مدارات معينة، دون أي دافع للتطور المعرفي، وقد تنتشر الحشرات والأوبئة، سيكون هناك غزارة للأمطار في مدارات معينة، ما سيؤدي الى انجراف التربة، وتصبح هذه المناطق غير صالحة للزراعة. وسيعاني ويصارع البشر والمخلوقات كافة من أجل البقاء!
فالله سبحانه لم يخلق هذا الخلق البديع العظيم الشأن عبثا، أو عاريا عن الحكمة، أو خاليا من المصلحة، بل خلقه مشتملا على حكم جليلة، منتظما لمصالح عظيمة، فسبحانه منزه تنزيها تاما عن كل ما لا يليق به، فهذا الخلق الذي صمم بدقة بالغة، هو أساس لوجود حياة صالحة للعيش على الأرض، وصدق سبحانه إذ يقول: {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} (آل عمران:191).
* المادة مستفادة من موقع إعجاز القرآن والسنة.