- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:القرآن الكريم
مؤلف هذا التفسير، هو قاضى القضاة: عبد الله بن عمر بن محمد بن علي، البيضاوي الشافعي، وهو من بلاد فارس، نسبته إلى البيضاء بفارس قرب شيراز. قال ابن قاضى شهبة (ت851هـ) في "طبقاته": "صاحب المصنفات، وعالم أذربيجان، وشيخ تلك الناحية. ولي قضاء شيراز". وقال السبكي (ت771هـ) في "الطبقات الكبرى": "كان إماما مبرزا نظارا خيرا، صالحا متعبدا". وقال ابن حبيب (ت779هـ): "تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته، ولو لم يكن له غير (المنهاج) الوجيز لفظه المحرر لكفاه". توفى بمدينة تبريز سنة (685هـ). من أهم مصنفاته: كتاب (المنهاج) وشرحه في أصول الفقه، وكتاب (الطوالع في أصول الدين)، و(أنوار التنزيل وأسرار التأويل) في التفسير، وهو موضوع المقال. وهذه الكتب الثلاثة من أشهر الكتب وأكثرها تداولا بين أهل العلم.
التعريف بتفسير البيضاوي ومنهجه فيه
تفسير البيضاوي تفسير متوسط الحجم، جمع فيه صاحبه بين التفسير والتأويل، على مقتضى قواعد اللغة العربية، وأصول التفسير .
وقد صنف البيضاوي تفسيره مستفيدا من "الكشاف" للزمخشري (ت 538هـ)، ولكنه ترك ما فيه من اعتزالات، وإن كان أحيانا يذهب إلى ما يذهب إليه صاحب "الكشاف"، ومن ذلك أنه عندما فسر قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} (البقرة:275)، ألفيناه يقول: "إلا قياما كقيام المصروع، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع"، ثم يفسر (المس) بالجنون، ويقول: "وهذا أيضا من زعماتهم أن الجني يمس الرجل فيختلط عقله". وهذا موافق لما ذهب إليه الزمخشري من أن الجن لا تسلط لها على الإنسان إلا بالوسوسة والإغواء.
كما أننا نجد البيضاوي قد وقع فيما وقع فيه صاحب "الكشاف"، من ذكره في نهاية كل سورة حديثا في فضلها وما لقارئها من الثواب والأجر عند الله، وأكثر هذه الأحاديث موضوعة باتفاق أهل الحديث، والعجب كيف اغتر بها البيضاوي فرواها، وتابع الزمخشري في ذكرها عند آخر تفسيره لكل سورة، مع ما له من مكانة علمية، وقد اعتذر بعض الناس عنه في ذلك، وإن كان اعتذارا ضعيفا، لا يكتفي لتبرير هذا العمل الذى لا يليق بعالم كالبيضاوي له قيمته ومكانته.
وكذلك استمد البيضاوي تفسيره من "التفسير الكبير" المسمى بـ "مفاتيح الغيب" للفخر الرازي (ت606هـ)، ومن تفسير الراغب الأصفهاني (ت502هـ) المسمى بـ "جامع التفاسير"، وضم بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، كما أنه أعمل فيه عقله، فضمنه نكتا بارعة، ولطائف رائعة، واستنباطات دقيقة، كل هذا في أسلوب رائع موجز، وعبارة تدق أحيانا وتخفى إلا على ذي بصيرة ثاقبة، وفطنة نيرة. وهو يهتم أحيانا بذكر القراءات، ولكنه لا يلتزم المتواتر منها، فيذكر الشاذ، كما أنه يعرض للصناعة النحوية، ولكن دون توسع واستفاضة، كما أنه يتعرض عند آيات الأحكام لبعض المسائل الفقهية، دون توسع منه في ذلك، وإن كان يميل غالبا لتأييد مذهبه الشافعي وترويجه، فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (البقرة:228) قال: وهو يطلق للحيض، كقوله عليه الصلاة والسلام: (دعي الصلاة أيام أقرائك) رواه الدار قطني، وللطهر الفاصل بين الحيضتين، كقول الأعشى:
مورثة مالا وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكما
وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض، وهو المراد في الآية، لأنه الدال على براءة الرحم لا الحيض، كما قاله الحنفية، لقوله تعالى: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} (الطلاق:1) أي: وقت عدتهن، والطلاق المشروع لا يكون في الحيض. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان)، فلا يقاوم ما رواه الشيخان في قصة ابن عمر رضي الله عنهما: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء).
كذلك نجد البيضاوي أحيانا يذكر مذاهب بعض الفرق ، عندما يعرض لتفسير آية لها صلة بنقطة من نقاط النزاع بينهم؛ فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} (البقرة:2-3) نجده يعرض لبيان معنى الإيمان والنفاق عند أهل السنة والمعتزلة والخوارج بتوسع ظاهر، ويرجح بعد مذهب أهل السنة. وعند تفسيره لقوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} (البقرة:3) نراه يتعرض للخلاف الذى بين أهل السنة والمعتزلة فيما يطلق عليه اسم (الرزق)، ويذكر وجهة نظر كل فريق، مع ترجيحه لمذهب أهل السنة.
والبيضاوي مقل جدا من ذكر الروايات الإسرائيلية، وهو يصدر الرواية بقوله: روي، أو قيل؛ إشعارا منه بضعفها؛ فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى: {فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين} (النمل:22) يقول بعد فراغه من تفسيرها: روي أنه عليه السلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج...إلى آخر القصة التي يقف البيضاوي بعد روايتها موقف المجوز لها، غير القاطع بصحتها، حيث يقول: "ولعله في عجائب قدرة الله وما خص به خاصة عباده أشياء أعظم من ذلك، يستكبرها من يعرفها، ويستنكرها من ينكرها".
ثم إن البيضاوي إذا عرض للآيات الكونية، فإنه لا يتركها دون أن يخوض في مباحث الكون والطبيعة، ولعل هذه الظاهرة سرت إليه من طريق "التفسير الكبير" للفخر الرازي، الذى استمد منه كما تقدم؛ فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى: {فأتبعه شهاب ثاقب} (الصافات:10) نراه يعرض لحقيقة (الشهاب) فيقول: الشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض، ثم يرد على من يخالف ذلك فيقول: وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل، فتخمين -إن صح- لم يناف ذلك" إلى آخر كلامه في هذا الموضوع.
هذا، وقد بين البيضاوي في مقدمة "تفسيره" منهجه الذي سلكه في "تفسيره"، قال رحمه الله بعد الديباجة ما نصه: "ولطالما أحدث نفسى بأن أصنف في هذا الفن -يعنى التفسير- كتابا يحتوى على صفوة ما بلغني من عظماء الصحابة، وعلماء التابعين ومن دونهم من السلف الصالحين، وينطوي على نكات بارعة، ولطائف رائعة، استنبطتها أنا ومن قبلي من أفاضل المتأخرين، وأماثل المحققين، ويعرب عن وجوه القراءات المشهورة المعزية إلى الأئمة الثمانية المشهورين، والشواذ المروية عن القراء المعتبرين، إلا أن قصور بضاعتي يثبطني عن الإقدام، ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام، حتى سنح لي بعد الاستخارة ما صمم به عزمي على الشروع فيما أردته، والإتيان بما قصدته، ناويا أن أسميه بـ (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)".
ويقول في آخر تفسيره: "وقد اتفق إتمام تعليق سواد هذا الكتاب المنطوي على فوائد ذوي الألباب، المشتمل على خلاصة أقوال أكابر الأئمة، وصفوة آراء أعلام الأمة، في تفسير القرآن وتحقيق معانيه، والكشف عن عويصات ألفاظه ومعجزات مبانيه، مع الإيجاز الخالي عن الإخلال، والتلخيص العاري عن الإضلال، الموسوم بـ (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)".
ويقول الجلال السيوطي في حاشيته على هذا التفسير المسماة بـ (نواهد الأبكار وشوارد الأفكار) ما نصه: "وإن القاضي ناصر الدين البيضاوي لخص هذا الكتاب فأجاد، وأتى بكل مستجاد، وماز فيه أماكن الاعتزال، وطرح موضع الدسائس وأزال، وحرر مهمات، واستدرك تتمات، فظهر كأنه سبيكة نضار، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار، وعكف عليه العاكفون، ولهج بذكر محاسنه الواصفون، وذاق طعم دقائقه العارفون، فأكب عليه العلماء تدريسا ومطالعة، وبادروا إلى تلقيه بالقبول رغبة فيه ومسارعة".
أما صاحب "كشف الظنون " فقد وصف هذا التفسير بأنه: "كتاب عظيم الشأن غني عن البيان، لخص فيه من "الكشاف" ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ومن "التفسير الكبير" ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن "تفسير الراغب" ما يتعلق بالاشتقاق وغوامض الحقائق ولطائف الإشارات. وضم إليه ما ورى زناد فكره من الوجوه المعقولة، فجلا رين الشك عن السريرة، وزاد في العلم بسطة وبصيرة...ولكونه متبحرا جال في ميدان فرسان الكلام، فأظهر مهارته في العلوم حسبما يليق بالمقام، كشف القناع تارة عن وجوه محاسن الإشارة، وملح الاستعارة، وهتك الأستار أخرى عن أسرار المعقولات بيد الحكمة ولسانها، وترجمان المناطقة وميزانها، فحل ما أشكل على الأنام، وذلل لهم صعاب المرام، وأورد في المباحث الدقيقة ما يؤمن به عن الشبه المضلة، وأوضح لهم مناهج الأدلة، والذى ذكره من وجوه التفسير ثانيا أو ثالثا أو رابعا بلفظ "قيل"، فهو ضعيف ضعف المرجوح أو ضعف المردود.
وقد اعترفوا له قاطبة بالفضل المطلق، وسلموا إليه قصب السبق، فكان تفسيره يحتوى فنونا من العلم وعرة المسالك، وأنواعا من القواعد المختلفة الطرائق، وقل من برز في فن إلا وصده عن سواه وشغله، والمرء عدو لما جهله، فلا يصل إلى مرامه إلا من نظر إليه بعين فكره، وأعمى عين هواه، واستعبد نفسه في طاعة مولاه، حتى يسلم من الغلط والزلل، ويقتدر على رد السفسطة والجدل ...
ثم إن هذا الكتاب رزق من عند الله سبحانه بحسن القبول عند جمهور الأفاضل والفحول، فعكفوا عليه بالدرس والتحشية، فمنهم من علق تعليقة على سورة منه، ومنهم من حشى تحشية تامة، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه"، والحواشي عليه تزيد على الأربعين، ذكر عددا منها الحاج خليفة في "الكشف"، وأشهر هذه الحواشي وأكثرها تداولا ونفعا حاشيتان: حاشية الشهاب الخفاجي (ت1069هـ)ـ، وحاشية شيخ زاده القونوي (ت951هـ) وصف صاحب "الكشف" هذه الأخيرة بأنها: "أعظم الحواشي فائدة، وأكثرها نفعا، وأسهلها عبارة"، قال: "ولا يخفي أنها من أعز الحواشي، وأكثرها قيمة واعتبارا، وذلك لبركة زهده، وصلاحه".
وأما التعليقات والحواشي غير التامة فكثيرة جدا، أشهرها: حاشية المولى، المحقق: محمد بن فرامرز، الشهير: بـ ملا خسرو (ت885هـ) قال في "كشف الظنون": "وهي من أحسن التعليقات عليه، بل أرجحها، وصل فيها إلى قوله تعالى: {سيقول السفهاء} (البقرة:142).
كما أن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف بـ (إمام الكاملية) (ت874هـ) وضع مختصرا لهذا التفسير.
وجملة القول، فهذا التفسير من كتب التفسير المهمة التي لا يستغني عنها من يريد أن يفهم كلام الله تعالى، ويقف على أسراره ومعانيه، وهو مطبوع عدة طبعات، وهو متوسط في حجمه.