- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
الشباب هم رجال الغد وأمل المستقبل، وإليهم تؤول قيادة الأمة في جميع مجالاتها، وقد قامت نهضة الإسلام من قبل على أكتافهم وسواعدهم. والسيرة النبوية بأحداثها وتفاصيلها مدرسة نبوية متكاملة، لما تحمله بين ثناياها من المواقف التربوية العظيمة والفوائد الجليلة، التي تضع للدعاة والمعلمين والمربين منهج التربية وحسن التعامل مع مواقف الحياة ومجرياتها.. وهذه بعض المواقف التربوية من حياة وسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع الشباب، نرى من خلالها مدى اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالشباب، وكيفية تعامله معهم، ورفقه بهم، وأسلوبه التربوي في تربيتهم وإعدادهم:
1 ـ العفة ومراعاة الحاجات النفسية للشباب:
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان مدركا ومراعيا لطبيعة مشاعر الشباب وتفكيرهم، ولذلك كان يحثهم على الزواج والعفة. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (الزواج) فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (وقاية)) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه) رواه البخاري. وفي غزوة الأحزاب (الخندق) أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الشباب ليذهبوا إلى بيوتهم، لا سيما من كان حديث عهد بعرس (زواج). يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه محدثا عن شاب كان معهم في غزوة الأحزاب، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما فقال: (خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قريظة) رواه مسلم. وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم) رواه البخاري. قال النووي: "قوله: (ونحن شببة متقاربون) جمع شاب، ومعناه متقاربون في السن، قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا) هو بالقافين هكذا ضبطناه في مسلم، وضبطناه في البخاري بوجهين أحدهما هذا والثاني (رفيقا) بالفاء والقاف وكلاهما ظاهر". (فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا) أي: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم حالهم ومرادهم بالعودة إلى ديارهم وأهاليهم، وراعى مشاعرهم، وهذا من حكمته ومن جميل خلقه وطيب عشرته وعظيم رفقه بالشباب.. قال الشيخ ابن عثيمين: "هذا الحديث فيه فوائد: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشهورا بالرحمة والرفق فكان أرحم الناس بالناس، وكان أرفق الناس بالناس عليه الصلاة والسلام..ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يكون شعوره شعور الآخرين.. فلما رأى أنهم اشتاقوا إلى أهلهم، وسألهم من خلفوا وراءهم وأخبروه، أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم"..
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي الشباب على العفة، ويساعدهم عليها، لكن بعض النفوس أحيانا قد تغفل، ولا يوقظها إلا شيء من الحكمة والرفق، وهذا ما فعله صلوات الله وسلامه عليه مع أحد الشباب الذي نازعته شهوته ونفسه، فأعاده إلى طريق العفة والطهارة. عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادنه (قربه)، فدنا منه قريبا، فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، ثم وضع يده على صدره وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه) رواه أحمد. قال ابن حجر: "وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا". وقال النووي: "وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، إذا لم يأت بالمخالفة استخفافا أو عنادا".
2 ـ الثناء عليهم ومدحهم:
المدح والثناء من الأمور التي تسر بها النفوس، وتحفزها على زيادة العطاء، ولذلك كان المدح وسيلة تربوية اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته رضوان الله عليهم بما فيهم من الشباب، فيقدم الناصح بين يدي نصيحته الثناء على المنصوح، وذكر بعض الخير الذي فيه، ثم يحفزه للمزيد من فعل الخيرات، أو ترك بعض المنهيات. عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل) رواه البخاري. قال سالم: "فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوما بين أصحابه: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، قال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، وأرجو أن تكون منهم) رواه البخاري. قال ابن بطال في شرحه للحديث: "يجوز الثناء على الناس بما فيهم على وجه الإعلام بصفاتهم، لتعرف لهم سابقتهم وتقدمهم في الفضل، فينزلوا منازلهم، ويقدموا على من لا يساويهم، ويقتدى بهم في الخير". إن كثيرا من أصحاب الكفاءات والقدرات من الشباب يصابون بالفتور، بل ربما تموت مواهبهم وقدراتهم، لأنهـم لا يجدون من يدفعهم بكلمة ثناء، أو يرفعهم بعبارة تشجيع، وإننا حين نثني ونمدح أصحاب القدرات والطاقات فإننا نحرك نفوسهم وهمتهم إلى المزيد من العمل، وهذا أسلوب من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم التربوية..
3 ـ الثقة بالنفس، والاستفادة من الطاقات:
الثقة بالنفس من العوامل النفسية الهامة التي تلعب دورا كبيرا في إصلاح الفرد ـ عامة والشاب خاصة ـ لنفسه، وتساعده في توظيف طاقاته وإمكانياته والاستفادة منها.. ومن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا االمعنى قوله لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنك غلام معلم) رواه أحمد. وقوله لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود) رواه البخاري. وقوله لأشج عبد القيس رضي الله عنه: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة) رواه أبو داود.. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن توظيف طاقات الشباب، ويزرع في نفوسهم الثقة بالنفس، والهمة العالية، مما جعلهم يقومون بأدوار كبيرة، كان لها الفضل الكبير في رفع راية الإسلام في بقاع الدنيا، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: مصعب بن عمير رضي الله عنه، يرسله النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة والتعليم في المدينة المنورة، وكان عندئذ في ريعان شبابه، وقد استطاع بالرغم من حداثة سنه أن يقنع الكثير من أهل المدينة برسالة الإسلام. وزيد بن ثابت رضي الله عنه يتعلم لغة اليهود. عن خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال زيد بن ثابت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمت له كتاب (لغة وكتابة) يهود، وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فتعلمته، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب له إذا كتب، وأقرأ له إذا كتب إليه) رواه أبو داود. وعتاب بن أسيد رضي الله عنه: بعد فتح مكة اضطر النبي صلى الله عليه وسلم للخروج منها بجيشه، وكان لابد من تعيينه لقائد لمكة لإدارة شؤونها، فاختار صلى الله عليه وسلم عتاب رضي الله عنه الذي لم يتجاوز الواحد والعشرين عاما من عمره أميرا لمكة المكرمة في ظل غيابه صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن حذافة رضي الله عنه اختاره النبي صلى الله عليه وسلم للوفادة على الملوك والأمراء، لأنه كان يجمع بين حسن المظهر وفصاحة اللسان وسرعة البديهة.
4 ـ التوازن والوسطية:
من سمات الهدي النبوي الاعتدال والموازنة بين الروح والجسد، والإسلام عموما جاء بالوسطية كما قال الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}(البقرة: 143)، قال السعدي: "أي: عدلا خيارا، وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة وسطا في كل أمور الدين"، وقال الطبري: "فلا هم (أي المسلمون) أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين أبدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل وسط واعتدال فيه فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها".. وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وخاصة الشباب منهم على الوسطية والموازنة بين الروح والجسد، والدنيا والآخرة، وكان يقوم كل توجه غير صحيح، أو تفكير خاطئ، أو ممارسة سلبية. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط (جمع دون العشرة من الرجال) إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها (استقلوها)، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري. قال ابن حجر: "المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، ومعنى الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني.. وقوله: (فليس مني) أي: على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة".. وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما كان من أمر عثمان بن مظعون رضي الله عنه في رغبته في ترك النساء وعدم الزواج، بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال له: (يا عثمان، إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي؟ قال: لا يا رسول الله، قال: إن من سنتي أن أصلي وأنام، وأصوم وأطعم، وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان إن لأهلك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا) رواه أبو داود.
لقد بعث الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم معلما ومزكيا، ومبشرا ونذيرا، فقال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلـمهم الكتاب والـحكمة}(الجمعة:2). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا) رواه مسلم.. ولذا كانت حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم كلها دروس وعبر، غنية وزاخرة بالأساليب التربوية والتعليمية، التي تنفع الأمة في حاضرها ومستقبلها.. ومن المعلوم أن الشباب في كل أمة هم قلبها النابض ودمها المتدفق، وسر نهضتها وأمل مستقبلها، ولذلك حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على العناية والاهتمام بهم، ودعاهم لاغتنام الفرص لتكوين شخصيتهم الإسلامية السوية في شتى المجالات. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه الحاكم. كما أكد صلوات الله وسلامه عليه على أهمية مرحلة الشباب في حياة الإنسان وما يترتب عليها من تبعات ومحاسبة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم) رواه الترمذي..