- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:محاسن الأخلاق
من المعلوم عند المؤمنين أن البر من أعظم أسباب المودة بين الناس في الدنيا، وأنه من أعظم أسباب السعادة في الآخرة. أما كونه من أسباب المودة فلأن النفوس جبلت على محبة من يحسن إليها ويواسيها. لذلك ندب الله تعالى إلى التعاون به وقرنه بالتقوى له فقال: {وتعاونوا على البر والتقوى}(المائدة:2). لأن في التقوى رضا الله تعالى، وفي البر رضا الناس.
ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته.
أنواع البر
قال الماوردي في أدب الدنيا والدين"والبر نوعان: صلة، ومعروف.فأما الصلة: فهي التبرع ببذل المال في الجهات المحدودة لغير عوض مطلوب، وهذا يبعث عليه سماحة النفس وسخاؤها، ويمنع منه شحها وإباؤها قال الله تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (الحشر/ 9) .
وأما النوع الثاني من البر فهو: المعروف: ويتنوع أيضا نوعين: قولا وعملا. فأما القول: فهو طيب الكلام وحسن البشر، والتودد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورقة الطبع، ويجب أن يكون محدودا كالسخاء؛ فإنه إن أسرف فيه كان ملقا مذموما وإن توسط واقتصد فيه كان معروفا وبرا محمودا.
وأما العمل: فهو بذل الجاه والمساعدة بالنفس والمعونة في النائبة، وهذا يبعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم، وليس في هذه الأمور سرف ولا لغايتها حد بخلاف النوع الأول؛ لأنها وإن كثرت فهي أفعال خير تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر، ونفع على المعان بها في التخفيف عنه والمساعدة له
وقال صلى الله عليه وسلم: "السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل، وأكبر الداء البخل". (الترمذي وغيره).
وقال: "ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا". (البخاري).
وأنزل في ذلك القرآن: {فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى}(الليل: 5-7).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - يعني من أعطى فيما أمر واتقى فيما حظر وصدق بالحسنى يعني بالخلف من عطائه.
قال الماوردي: (قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لسادات الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء.
وقيل في المثل: سؤدد بلا جود، كملك بلا جنود. وقال بعض الحكماء: الجود حارس الأعراض. وقال بعض الأدباء: من جاد ساد، ومن أضعف ازداد. وقال بعض الفصحاء: جود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده. وقال بعض الفصحاء: خير الأموال ما استرق حرا، وخير الأعمال ما استحق شكرا.
وقال صالح بن عبد القدوس:
ويظهر عيب المرء في الناس بخله
ويستره عنهم جميعا سخاؤه
تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب فالسخاء غطاؤه
من ثمرات البخل
قال بعض الحكماء: البخل جلباب المسكنة. وقال بعض الأدباء: البخيل ليس له خليل. وقال بعض البلغاء: البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته.
وقال بعض الشعراء:
وقد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة، وإن كان ذريعة إلى كل مذمة، أربعة أخلاق ناهيك بها ذما وهي: الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق.
فأما الحرص فهو شدة الكدح والإسراف في الطلب. وأما الشره فهو استقلال الكفاية، والاستكثار لغير حاجة، وهذا فرق ما بين الحرص والشره قال بعض الحكماء: الشره من غرائز اللؤم.
وأما سوء الظن فهو عدم الثقة بمن هو لها أهل، فإن كان بالخالق كان شكا يؤول إلى ضلال، وإن كان بالمخلوق كان استخانة يصير بها مختانا وخوانا، لأن ظن الإنسان بغيره بحسب ما يراه من نفسه، فإن وجد فيها خيرا ظنه في غيره، وإن رأى فيها سوءا اعتقده في الناس.
وقد قيل في المثل: كل إناء ينضح بما فيه.
وأما منع الحقوق فإن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها، ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها، فلا تذعن لحق ولا تجيب إلى إنصاف، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة، والشيم اللئيمة، لم يبق معه خير مرجو ولا صلاح مأمول.
وأما السرف والتبذير فإن من زاد على حد السخاء فهو مسرف ومبذر، وهو بالذم جدير. وقد قال الله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}(الأعراف:31).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عال من اقتصد".(رواه أحمد وغيره).
وقد قال المأمون - رحمه الله -: لا خير في السرف ولا سرف في الخير. وقال بعض الحكماء: صديق الرجل قصده، وسرفه عدوه. وقال بعض البلغاء: لا كثير مع إسراف ولا قليل مع احتراف.
وقال معاوية - رضي الله عنه -: كل سرف فبإزائه حق مضيع. وقال بعض الحكماء: الخطأ في إعطاء ما لا ينبغي ومنع ما ينبغي واحد.
وقال أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عن أموال الناس، والتجاوز عنهم.
وقيل لسفيان: ما الزهد في الدنيا؟ قال: الزهد في الناس.
وقال بعض البلغاء: السخاء أن تكون بمالك متبرعا وعن مال غيرك متورعا.
العطاء يكون لله
ثم ليكن غالب عطائه لله تعالى وأكثر قصده ابتغاء ما عند الله عز وجل كالذي حكاه أبو بكرة، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن أعرابيا أتاه فقال:
يا عمر الخير جزيت الجنه
اكس بنياتي وأمهنه
وكن لنا من الزمان جنه
أقسم بالله لتفعلنه
فقال عمر - رضي الله عنه -: فإن لم أفعل يكون ماذا؟ فقال: إذا أبا حفص لأذهبنه.
فقال: فإذا ذهبت يكون ماذا؟ فقال:
يكون عن حالي لتسألنه
يوم تكون الأعطيات هنه
وموقف المسئول بينهنه
إما إلى نار وإما جنه
فبكى عمر - رضي الله عنه - حتى اخضلت لحيته ثم قال: يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره، أما والله لا أملك غيره.
وإذا كان العطاء على هذا الوجه خلا من طلب جزاء وشكر، وعرى عن امتنان ونشر، فكان ذلك أشرف للباذل، وأهنأ للقابل.
وأما المعطي إذا التمس بعطائه الجزاء، وطلب به الشكر والثناء فهو خارج بعطائه عن حكم السخاء؛ لأنه إن طلب به الشكر والثناء، كان صاحب سمعة ورياء، وفي هذين من الذم ما ينافي السخاء. وإن طلب به الجزاء كان تاجرا متربحا لا يستحق حمدا ولا مدحا.
وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في تأويل قوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} [المدثر: 6] إنه لا يعطي عطية يلتمس بها أفضل منها.
وقال أبو العتاهية:
وليست يد أوليتها بغنيمة
إذا كنت ترجو أن تعد لها شكرا
غنى المرء ما يكفيه من سد حاجة
فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.