مقاصد الأمر بلزوم الجماعة في السنة النبوية

0 222

ورد في السنة النبوية الأمر بلزوم الجماعة، والتحذير من الفرقة والاختلاف، وهو أصل عظيم في الإسلام، ولذلك أدرجه العلماء في كتب الاعتقاد لأهميته، والرد على من يخالف فيه، ولكن يجب أن نفهم ماذا عنى النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة؟، وما مقاصد هذا الأمر النبوي؟ 

 

الأحاديث الواردة في الموضوع:

الأحاديث الآمرة بلزوم الجماعة والنهي عن الفرقة والاختلاف كثيرة، ولكن نقتصر على بعضها اختصارا، منها ما في صحيح البخاري عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية، قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة.

 

في مسند الإمام أحمد عن الحارث الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا آمركم بخمس الله أمرني بهن بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربق الإسلام من عنقه، إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم، قالوا: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بما سماهم المسلمين المؤمنين عباد الله.

 

وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن الله لن يجمع أمتي إلا على هدى.



قال ابن حجر في الفتح: والمراد بالجماعة أهل الحل والعقد من كل عصر وقال الكرماني مقتضى الأمر بلزوم الجماعة أنه يلزم المكلف متابعة ما أجمع عليه المجتهدون وهم المراد بقوله وهم أهل العلم.

 

وفي مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية، وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة.

 

يقول القاري في مرقاة المفاتيح: قوله "وعليكم بالجماعة والعامة" أي عامة الجماعة، يعني: عليكم بمتابعة جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة، أو عليكم بمخالطة عامة المسلمين وإياكم ومفارقتهم والعزلة عنهم واختيار الجبال والشعاب البعيدة عن العمران، وهذا أظهر للفظ التمثيل والأول أوفق لمعناه والله أعلم.

 

إذ قد يفهم البعض أحاديث الأمر بلزوم الجماعة بمتابعة جمهور الناس وعامتهم في كل شيء، ولو فيما كان مخالفا للشرع، ويتردد على ألسنة البعض التمسك بذلك عند أمرهم بالمعروف أو نهيهم عما شاع فيهم من العادات والأفكار الخاطئة، وهذا لا ينسجم مع تلك الأحاديث، فالجماعة المأمور بلزومها هي الجماعة التي لزمت أمر الشرع، واحتكمت إليه، وفيهم أهل العلم وأهل الحل والعقد، فمثل هؤلاء يكون إجماعهم وجماعتهم مأمن من الضلال، وملجأ من الخطأ، فالله تعالى يكتب لهم العصمة من أن يجتمعوا على ضلالة.

قال ابن بطال في شرحه على البخاري: والجماعة التى أمرهم بلزومها: السواد الأعظم، وقالوا: كل ما كان عليه السواد الأعظم من أهل الإسلام من أمر دينهم فهو الحق الواجب والفرض الثابت، الذى لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه، وسواء خالفهم فى حكم من الأحكام أو خالفهم فى إمامهم القيم بأمرهم وسلطانهم، فهو للحق مخالف.



قال ابن الهمام في فيض القدير: قال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف كثيرا أي الحق هو ما كان عليه الصحابة الأول من الصحب ولا نظر لكثرة أهل الباطل بعدهم قال البيهقي: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانوا عليه من قبل وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ.



مقاصد الأمر بلزوم الجماعة:

وأما مقصد هذه الأحاديث الآمرة بلزوم الجماعة، والناهية عن الفرقة، فهو مقصد عظيم يتجاوز الأشخاص والمناصب إلى الحفاظ على كليات المصالح الضرورية، فالفرقة وشق عصا المسلمين بلاء لا يجلب إلى البلاء على كل المستويات، سواء في دين الناس، ونفوسهم، وأموالهم، وأعراضهم، فاضطراب الأحوال، وذهاب الأمن، باب لكل شر وفتنة.

 

ومن مقاصده: سد باب الابتداع والتفرد بالأقوال والآراء الشاذة التي تخالف قول العامة من أهل العلم، وما استقر عليه العمل لقرون، فهذا مما يوهن أمر الجماعة، ويشتت أمرها، ولا سيما في بعض المسائل التي جرى العمل فيها على قول عامة أهل العلم، فإحداث قول في المسألة يفضي إلى فتنة وفرقة ولا سيما عند عامة الناس، وأمثلة هذا في الواقع كثيرة، ولا سيما في الفقهيات والمسائل العملية.



ومن مقاصد هذا التوجيه النبوي: الترغيب بالخلطة بالناس التي يكون خيرها رابيا على شرها، والتحذير من العزلة التي تضر بالإنسان في دينه وشعوره، فاختيار العزلة باب إلى ترك الجماعة، إلا في حالات خاصة نبه عليها العلماء؛ ولذلك جاء في الرواية "وإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة".

 

ومن مقاصد التوجيه بلزوم الجماعة: تعزيز الانتماء لجماعة المسلمين، والوحدة الشعورية والوجدانية، فالأمر بالجماعة ليس أمرا شكليا، بل هو اجتماع وتناصر ومحبة وائتلاف، وسائر الفروض الكفائية الاجتماعية، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحماية ثغور المسلمين، والحض على الإحسان إليهم، فهذه لا تقوم إلا بلزوم الجماعة وتعزيز الانتماء إليها.



ومن المقاصد: الوفاء بالعهد الذي بين الراعي والرعية، إذ إن الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم نقض للعهد، وخيانة للأمانة، وافتئات على حق الأمة، والإسلام يعزز العلاقة بين الرعية وولاتهم، حتى يستقيم الحال، ويتحقق الأمن والرخاء للمجتمع.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة