- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مقاصد السنة النبوية
الدعاء عبادة تتضمن منظومة من العبادات العظيمة، فهو ليس مجرد طلب حاجة لتقضى فحسب، فرفع اليدين والتلفظ بكلمات الدعاء إنما هو شكل ظاهري ينتظم عدة عبادات باطنة، من الافتقار إلى الله، والاعتراف بكمالات المدعو، وقصور الداعي، فهو عمل قلبي إيماني بالأساس، وهذا ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرفه بأنه العبادة.
فقد روي الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيء أكرم على الله من الدعاء. وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن لا يسأل الله يغضب عليه. وفي سنن أبي داود والترمذي عن النعمان بن بشير مرفوعا: الدعاء هو العبادة ثم قرأ {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}. قال ابن الهمام في فيض القدير: لأن الداعي إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص، ولا عبادة فوقها.
وأهم ما يتضمنه الدعاء: التعبد لله تعالى بالافتقار إليه، وهذا من أجمع مقاصد الدعاء، بل هو مقصد المقاصد، وغاية العبادات كلها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه.
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: من أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار، ودوام اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه.
ومن يتأمل الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجدها تفيض بهذا المعنى، ومنها يتعلم الداعي عبادة الافتقار لله، بإظهار الضعف والمسكنة والحاجة إلى الله، حتى في أبسط الأشياء هو مفتقر إلى الله حتى ييسرها له.
وقد حمل بعض العلماء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة على معنى الافتقار؛ إذ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، قال ابن بطال في شرحه على البخاري: وإنما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لبيان الافتقار إلى الله والإذعان له وإظهار العبودية.
ومن يتأمل حقيقة الدعاء سيجدها تتمثل في الافتقار إلى الله تعالى، قال ابن الهمام في فيض القدير: الدعاء وهو استدعاء العبد ربه العناية واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية.
ومن يتأمل حقيقة الدعاء سيجدها تتمثل في الافتقار إلى الله تعالى، قال ابن الهمام في فيض القدير: الدعاء وهو استدعاء العبد ربه العناية واستمداده منه المعونة وحقيقته إظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية.
ومما يتضمنه الدعاء من العبادات الباطنة: حسن الظن بالله، فالداعي لا يلجأ إلى الله إلا وقد أحسن الظن به، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له. وهذا العزم في المسألة لا يتولد إلا من حسن الظن بالله.
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. واليقين بالإجابة مستلزم لحسن الظن بالله.
ومن مضامين الدعاء: ما يورثه في نفس الداعي من الاعتراف بالذنوب، وعقد عزم التوبة حتى يستجاب له، فالدعاء يعيد تأهيل النفس حتى تكون على الحالة التي يرضاها الله، فتجد الداعي يتفقد أحواله قبل الدعاء، وينظف نفسه من موانع الإجابة، كأكل الحرام، وغفلة القلب عن الله، فالدعاء في الحقيقة تجديد للتوبة، وإصلاح للعلاقة مع الله، ولذلك جعل البيهقي في شعب الإيمان من آداب الدعاء: تقديم التوبة بين يدي الدعاء. فلله در الحاجات كم قادتنا إلى الله، وجددت قلوبنا، وأحيت معاني العبودية في أرواحنا، وألهمتنا حرارة الدعاء.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الأدعية التي تتضمن الاعتراف بالذنوب، كوسيلة بين يدي الدعاء، كما في الصحيحين: أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
ومن مضامين الدعاء: ما يورثه في قلب الداعي من الاستغناء بالله عن جميع خلقه، فمن لازم الدعاء في جميع أحواله صلحت أحواله، وقضيت حوائجه، وصان نفسه عن الافتقار إلى الخلق، وفي ذلك كمال الإيمان، وحسن التوكل على الله، فكلما حزبه أمر فزع إلى الدعاء في صغير الأمور وكبيرها، فيتعلق قلبه بمن يدبر الأمور، ويملك الخزائن، ويتصرف بمقاليد الأمور. وعندها يتجلى كرم الله على هذا الداعي، كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والرب أكرم ما تكون عليه؛ أحوج ما تكون إليه.
فالدعاء له مضامين عميقة على مستوى زيادة الإيمان، وتهذيب النفس وتخليصها من الأنانية ونوازع الكبر والطغيان، وله أثر على النفس بما يورثه من السكينة والطمأنينة، وفتح أبواب الأمل والتفاؤل، وله أثر في تخليص النفس من كدرها من خلال بث الشكوى، والبوح بمكنون النفوس، فالإنسان يحس ببعض ذلك إذا بث شكواه لأخيه الإنسان، فكيف إذا فعل ذلك مع القادر على كل شيء، والدعاء يربي النفس على عدم الاعتداء والتجاوز، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.