- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:اقرأ في إسلام ويب
نحمده سبحانه على إتمام نعمته، وإكمال طاعته، وسبوغ عافيته، وعلى حسن توفيقه وإعانته.
فقد مضى رمضان وانقضى حاملا معه صحائف الأعمال، وانقضى بانقضائه سوق التجارة الذي كان قائما فيه، ربح فيه من ربح، وفاز فيه من فاز.
فاحمدوا الله تعالى على توفيقه بصيام نهاره، وبقيام ليله، واحمدوه سبحانه على ما يسر من قراءة القرآن، وذكر الرحمن، والتسبيح والاستغفار والدعاء والأعمال الصالحات، والتقرب إليه بأنواع الطاعات وعمل الطيبات والقربات.
واعلموا أن من أعظم علامات القبول المداومة والاستقامة، فقد قال الله تبارك وتعالى : {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ۖ ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلا من غفور رحيم(32)}[فصلت].
وقال جل وعز: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون}[الأحقاف: 13ـ14].
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}[هود:112].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفيان بن عبد الله الثقفي كما في صحيح مسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم).
وقال لنبيه موسى وأخيه هارون عليهما السلام وقد دعواه فاستجاب دعوتهما: {قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما}[يونس:89].
فإذا كان الله قد استجاب دعواتكم في رمضان.. فاستقيموا.
وإذا كان الله قد تقبل توبتكم في رمضان.. فاستقيموا.
فإذا كان الله قد أعتق رقاكم في رمضان.. فاستقيموا.
فما أجمل الإحسان بعد الإحسان، وما أحسن الطاعة تتلوا الطاعة، وما أطيب الاستقامة على الخير. وقد قيل: "الاستقامة أعظم كرامة".
لا تكونوا كالتي نقضت غزلها
لقد نسجتم في رمضان نسجا رقيقا، وغزلتم غزلا دقيقا، وبنيتم بالعبادة بناء عاليا وصرحا رفيعا، فأعيذكم بالله أن تعودوا بعد رمضان إلى التفريط والتقصير، أو إلى الذنوب والمعاصي، فتهدموا ما بنيتم وتفسدوا ما غزلتم ونسجتم.
وقد ذكر العلماء أن من علامات قبول الطاعة الطاعة بعدها، والمدوامة على الخير بعد الخير، وأن من علامات عدم القبول، هجر الطاعات بمجرد انتهاء موسمها، والنكوص على الأعقاب والعودة إلى الذنب بعد الطاعة مباشرة.
وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من إفساد الأعمال بعد إتمامها، فقال: {ولا تكونوا كٱلتى نقضت غزلها منۢ بعد قوة أنكثا}[النحل:92].
وقد ذكر أهل التفسير أن امرأة في مكة يقال لها ريطة بنت سعد، كانت إذا بدأ النهار أخذت مغزلها وخيطها فبقيت طول النهار تغزل وتنسج نسجا رائقا رائعا، فإذا كان آخر النهار أخذت بطرف خيطها، فأفسدت ما غزلت، وخربت ما نسجت، وهدمت كل ما بنت.. فحذرنا الله أن نكون مثلها فنهدم بسوء العمل ما حصلناه من عظيم الأجر.
ما زالت العبادات قائمة
لقد مضى رمضان.. نعم. ولكن العبادة ما زالت قائمة، والمعبود ما زال موجودا سبحانه جل في علاه، فهو الحي الذي لا يحول، والباقي الذي لا يزول..
فإذا كان قيام رمضان قد انتهى، فإن قيام الليل ما زال مستمرا مأمورا به، قال الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}[الإسراء:79].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)[رواه مسلم].
وإذا كان صيام الفريضة قد انقضى بصيام رمضان، فإن صيام النافلة ما زال بابه مفتوحا، فصوموا الاثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، وصوموا من المحرم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)[رواه مسلم].
وقد ندبكم النبي عليه الصلاة والسلام إلى صيام ست من شوال، من باب المداومة وعدم الانقطاع عن العبادة بعد انتهاء موسمها، فإن الله يحب إذا عمل أحدنا عملا أن يديمه، وقد كان عمل النبي صلوات الله عليه وسلامه ديمة، وكان إذا عمل عملا أثبته، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر).
وكذلك القرآن الذي كان بين أيدينا في رمضان ما زال موجودا بيننا، لا يرفع من الدنيا إلا عند قيام الساعة.. وكذا ذكر الله، والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، والصدقات وفعل الصالحات.
فاستقيموا لله على طاعته، واشكروه على نعمته، وداوموا على عبادته.. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.