- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الحديث الموضوعي
لقد نشأ النبي صلى الله عليه وسلم نشأة الجد والعمل، وذلك هو شأن الأنبياء قبله، فحياتهم لا تعرف الخمول والتواكل، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة. وروى البخاري في الأدب المفرد عن عبدة بن حزن قال: تفاخر أهل الإبل وأصحاب الشاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راع، وبعثت أنا وأنا أرعى غنما لأهلي بالأجياد. وهذه بعض المصادر الرئيسية للكسب النبوي نجملها فيما يلي:
أولا: عمله بالتجارة:
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يتدرب على التجارة وهو ابن ثنتي عشرة سنة حين أخذه عمه أبو طالب معه في رحلة للتجارة إلى الشام، وفي هذه الرحلة التقى بحيرة الراهب.
وممن ذكرتهم كتب السير ممن كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتجر معهم: السائب بن أبي السائب، وكان خير شريك له.
وقد كانت التجارة بوابة للتعرف على جهات من بلاد العرب وطرقها ومسالكها، ومن خلالها عرف الناس سمو أخلاقه من صدق وأمانة وإخلاص.
ولما تبين لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته؛ عرضت عليه مالها ليخرج به في تجارة إلى الشام مقابل أجر، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مع غلامها ميسرة وحقق ربحا عظيما.
قال ابن حجر في فتح الباري في معنى وصف خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم بقولها "وتكسب المعدوم": ومعناها تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين، ويقال كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى، وقيل: معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه مالا يصيب غيرك وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة.
وقد جاء في دلائل النبوة: فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف أو قريبا والمعنى: أنها تضاعفت أرباحها عندما تاجرت بمالها معه صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: الإرث:
ومن مصادر الكسب النبوي ما ذكرته بعض كتب السير أنه ورث بعض المال عن والديه وزجته خديجة بعد ذلك، وهذا وإن كان يسيرا لكنه من ضمن مصادر المال.
يقول أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية: “ذكر الواقدي: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورث من أبيه عبد الله أم أيمن الحبشية واسمها بركة، وخمسة أجمال، وقطعة من غنم، ومولاه شقران وابنه صالحا، وورث من أمه آمنة بنت وهب دارها التي ولد فيه بمكة في شعب بني علي، وورث من زوجته خديجة بنت خويلد دارها بمكة بين الصفا والمروة خلف سوق العطارين، وأموالا، وكان حكيم بن حزام اشترى لخديجة زيد بن حارثة من سوق عكاظ بأربعمائة درهم، فاستوهبه منها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأعتقه، وزوجه أم أيمن، فولدت منه أسامة بعد النبوة".
ثالثا: أموال الفيء والغنائم والخمس:
ذكر ابن زنجويه في كتاب الأموال، ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "ما كان منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون الناس ثلاثة أموال: أولها: ما أفاء الله على رسوله من المشركين، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وهي فدك، وأموال بني النضير، فإنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أموالهم وأرضيهم، بلا قتال كان منهم، ولا سفر تجشمه المسلمون إليهم، والمال الثاني: الصفي الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصطفيه من كل غنيمة يغنمها المسلمون قبل أن تقسم، والمال الثالث: خمس الخمس، بعدما تقسم الغنيمة وتخمس وفي كل ذلك آثار معروفة قائمة".
ففي الصحيحين عن عمر، قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح، عدة في سبيل الله.
وفي سنن أبي داود عن عمر رضي الله عنه أنه قال: " كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث صفايا بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثة أجزاء، جزأين بين المسلمين، وجزءا نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين".
وقد جاء في السنة النبوية ما يدل على أن من مصادر الكسب النبوي هي الغنائم، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري.
قال ابن حجر في الفتح: وفي الحديث إشارة إلى فضل الرمح وإلى حل الغنائم لهذه الأمة وإلى أن رزق النبي صلى الله عليه وسلم جعل فيها لا في غيرها من المكاسب ولهذا قال بعض العلماء إنها أفضل المكاسب.
وكان هذا هو المصدر الغالب للكسب النبوي، فقد نقل ابن الهمام في فيض القدير: أن معظم رزقه عليه الصلاة والسلام كان من ذلك وإلا فقد كان يأكل من جهات أخرى غير الرمح كالهدية والهبة وغيرهما.
والمتأمل في مصادر كسبه عليه الصلاة والسلام يجد أنها متنوعة، فبعضها من جهة الاكتساب، وبذل الأسباب، وبعضها من غير سبب، وقد أشار بعضهم إلى أن الحكمة من ذلك هو حصول الاقتداء به صلى الله عليه وسلم للعامة والخاصة، فلو كان رزقه من غير كسب لتواكل الناس، ولو كان كله من الكسب وبذل الأسباب لركنوا إلى الأسباب وضعف توكل قلوبهم، فكان في هذا التنوع حكمة ظاهرة.