الإعلام الإلكتروني.. محاولات للضبط والسيطرة

0 67

الإعلام الإلكتروني هو إعلام مفتوح يعتمد على التكنولوجيا الحديثة، وقد ظهر في العقود الأخيرة بقوة، وتمدد بوحشية، وأصبحت له اليد الطولى بين وسائل الإعلام الأخرى المختلفة.. وقد انتشر هذا الإعلام في الآونة الأخيرة بحيث أصبح في مستوى السيادة المطلقة من حيث الانتشار وعدد المستخدمين، وقوة التأثير.

وقد تميز هذا النوع ـ زيادة على الانتشار وكثرة المستخدمين والمتأثرين به ـ بسهولة الاستخدام، وكثرة المنصات، وقلة التكاليف، واختراق الحواجز المكانية والزمانية، فضلا على التنوع اللامتناهي في الرسائل والمحتوى؛ وذلك لما يملكه من قدرات ومقومات للوصول والنفاد للجميع، وامتداده الواسع بتقنياته وأدواته واستخداماته وتطبيقاته المتنوعة.

كل هذا كان له أثره في توسيع دائرة المستخدمين، زيادة على أنه يجعل الإنسان العادي فاعلا ومشاركا بقوة، مع بقائه خلف الكواليس دون معرفة هويته، وهو أمر يحسب لهذا الإعلام من جهة، وعليه من جهة أخرى.

غير أن المتابعة لهذا النوع من الإعلام أثبتت بجانب الإيجابيات والمنافع سلبيات ومفاسد خطيرة وإشكالات كبيرة تتمثل في:
عدم المصداقية في معظم الأحيان، وغياب الضوابط في عموم الأحوال، والتعدي على القيم الدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات، مع ضعف الرقابة وانعدام الضوابط تقريبا للسيطرة على العنف والتطرف، ومواقع الفساد الأخلاقي والمحتوى الهابط والموبوء.

زيادة على ذلك انتهاك حقوق النشر والملكية الفكرية، والتعدي على خصوصيات الناس، وصولا إلى ارتكاب الجرائم الإلكترونية عن طريق المواقع الوهمية التي تستخدم في النصب والأعمال المنافية باستخدام التقنيات الحديثة.

كل هذا أوجد رأيا قويا في لزوم ضبط هذا النوع من الإعلام، وسن القوانين التي تضمن الحقوق أو تحد من السلبيات الكثيرة، والتي تحمي الجمهور من مفاسد هذه المواقع..

ضوابط وقوانين منظمة
ومع الإيمان الكامل والاعتراف بأهمية الحريات ودورها في تقدم المجتمعات إلا أنه قد رأى الكثيرون من أهل التخصص ـ مع وجود هذه السلبيات الناجمة عن الممارسات السيئة من كثير من المستخدمين ـ رأوا لزوم وضع ضوابط وقواعد منظمة ربما من أهمها:
ـ سن القوانين الضرورية للحفاظ على ثوابت المجتمعات، خصوصا الثقافة العربية والثوابت الإسلامية، والمبادئ الأخلاقية، حيث كثر المتهجمون على الدين، والخارجون عن حدود اللياقة الاجتماعية والذوق العام، والموروثات الثقافية، والحدود الأخلاقية.

ـ العمل على تطوير المحتوى الإعلامي الرسمي الإلكتروني لملاحقة التطور الحادث، وسرعة التفاعل مع المتفاعلين مع الأخبار والفعاليات، ومعرفة احتياجات القراء والمتابعين، ومعرفة مدى اهتمامهم بالمحتوى المعروض، ومدى تأثرهم به وتأثيرهم فيه وتأثيره فيهم.

ـ العمل على زيادة المصداقية والإلزام والالتزام بالمعايير المهنية فيما يخص الإعلام.

الخوف من مصادرة الحريات
وكل من رأى لزوم وضع قوانين وقواعد ضابطة أكدوا على أنهم لا يطالبون بتقييد الإعلام الإلكتروني أو تحجيمه أو السيطرة المطلقة والكاملة عليه، وإنما يطالبون بتنظيمه من أجل المصداقية ومصلحة القارئ والمتابع.

غير أن الخوف من أن تتحول الضوابط وقواعد التنظيم إلى قيود على الحريات، وتصبح أداة في يد الدول تتسلط بها على الناس للحد من حرية الإبداع أو التعبير، متذرعة بحفظ الحقوق والأمن العام، ومصالح الدولة، كل ذلك لا ينبغي أن يمنع من الدعوة إلى سن قوانين لتنظيم هذا الإعلام وضبط هذا الفضاء الواسع، مع وجود مراقبة على هذه القوانين بحيث لا تتغول وتتحول إلى محكمة يحاكم فيها كل مدون أو مستخدم لهذا الفضاء الإلكتروني الواسع.

لابد في النهاية من الإقرار والاعتراف بأن السيطرة على الإعلام والفضاء الإلكتروني أصبح في حكم المستحيل، بل هو فعلا مستحيل حقيقة، وإنما المقصود هو محاولة الحد من سلبياته وفتح المجال أمام المنافع والمصالح.

وجميل أن نذكر هنا أن الرقابة الذاتية لها دور كبير في نوعية المحتوى المعروض، وكذلك في أساليب التعليق وإبداء الرأي، والتزام الآداب العامة في هذا الصدد.

وفي الختام نقول: إن تنظيم الإعلام الإلكتروني وضبط هذا الفضاء الواسع ـ رغم صعوبته واستحالة مراقبته مراقبة كاملة ـ لا يمنع من سن قوانين تنظمه، وتتيح مساءلة المعتدي ومن ينتهك حقوق وحرمات وخصوصيات الآخرين في هذا الفضاء السيبراني الغير محدود، ومن يتسبب في إيصال الأذى إلى الناس وإلحاق الضرر بهم.

إن منظومة القوانين المقترحة التي تنظم هذا الفضاء الكبير يجب أن تكون مواكبة للأحداث، ومتماشية مع التطورات، وضابطة للتعديات، وحامية لحرمة الحياة الخاصة للآخرين، مع الفهم التام لخصائص وطبيعة هذا الفضاء العجيب.

ومن المهم جدا نشر التوعية المجتمعية، وبيان خطورة الاستخدام السلبي لهذه التقنيات، ومدى أثرها على الفرد والمجتمع.

والغاية النهائية هي استخدام أمثل لما يسره الله لنا وجعله في أيدينا من هذه النعم، حتى نسعد بها في الدنيا والآخرة.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة