أبو بكر ابن خزيمة إمام الأئمة

0 132

الإمام ابن خزيمة حافظ من حفاظ الحديث النبوي، وفقيه مجتهد من فقهاء الشافعية، ولد بنيسابور، ورحل إلى العراق والشام والجزيرة ومصر.
كان فارسا في ميدان الحديث أستاذا في علم النقد والجرح والتعديل، وأيضا كان فقيها مستنبطا، ولا عجب أن يكون كذلك وقد أخذ العلم عن أكابر علماء الشافعية عن المزني والربيع، وكان يروي عنهما كتب الشافعي.
كان تقيا زاهدا عابدا، وكان كثير من طلبة العلم لا يأخذون عن أحد العلم حتى ينظروا في صلاته وفي ذكره وفي تعبده، وينظروا في تقواه وفي ورعه، فكان هذا الإمام ممن تعلم ليعمل، فكان تقيا زاهدا ورعا قواما صواما، وكان كريما سخيا شجاعا رضي الله عنه وأرضاه، ورضي عن السلف أجمعين الذين حملوا لنا هذا العلم العظيم.
كان ابن خزيمة من قرناء البخاري ومسلم، وأعظم الشيوخ الذين سمع منهم: محمد بن يحيى الذهلي، وإسحاق بن راهويه.

مولده ونشأته
هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري
ولد في شهر صفر من عام 223 في نيسابور، ونشأ بها.
سلك الإمام ابن خزيمة طريقة طلاب العلم في عصره وهي تلقي العلم أولا عن شيوخ بلده ثم الرحلة في الطلب.
القرآن أولا
وقد أكرمه الله تعالى بأن كان من أسرة ذات دين وصلاح، اعتنوا به عناية فائقة، فحرصوا على حفظه للقرآن الكريم وإتقانه له وصلاته إماما بالختمة في شهر رمضان تثبيتا له، وقد كان ذلك وعمره في حدود ست أو سبع عشرة سنة، قبل ترحله وتجواله إلى الآفاق والأمصار.
قال محمد بن الفضل: "سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولا حتى آذن لك. فاستظهرت القرآن. فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة. فمكثت. فلما عيدنا أذن لي، فخرجت إلى مرو، وسمعت بمرو الروذ من محمد بن هشام، فنعي إلينا قتيبة".
كما أنهم حرصوا على الإتيان به إلى مجالس العلم، والمناظرة منذ صغره
قال أبو عبد الله الحاكم في "تاريخه": سمعت أحمد بن الخضر الشافعي يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: "كنت أرى عبد الله بن شيرويه يناظر وأنا صبي؛ فكنت أقول ترى أتعلم مثل ما يعلم ابن شيرويه قط".
وقال ابن الجزري: "أخذ القراءة عرضا عن عمران بن موسى القزاز"
ثم سمع في صغره الحديث من علماء نيسابور مثل ابن راهويه ومحمد بن حميد، ثم واصل رحلاته في طلب العلم ورحل إلى بلدان كثيرة، فرحل إلى بغداد، والري، والشام، والبصرة، والكوفة، والجزيرة، ومصر، وواسط، وفي هذه المدن سمع من علماء أعلام في الحديث والفقه وغيرها من العلوم.

إمام الأئمة
وكفاه فخرا أن لقب بإمام الأئمة وأما عن سبب تلقيبه بذلك فقال ابن الملقن: "ابن خزيمة قد علم شدة تحريه في الرجال، واجتهاده، حتى لقب بإمام الأئمة، وانفرد بذلك من بين أقرانه"، وقال بعضهم: "لقب بذلك لكثرة من روى عنه من الحفاظ الكبار في حياته".
من ثناء العلماء على ابن خزيمة
ابن خزيمة شهد له فحول العلماء بالحفظ والفقه، والقدرة على الاستنباط والفهم، وقد جاء هذا الاعتراف والثناء من تلاميذه الذين أخذوا عنه العلم، ومن شيوخه الذين تلقى عنهم
قال ابن حبان: "ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن كلها بين عينيه، إلا محمد بن إسحاق فقط"
وقال الدارقطني: كان ابن خزيمة ثبتا معدوم النظير.
وقال أبو حاتم الرازي وقد سئل عن ابن خزيمة: ويحكم، هو يسأل عنا ولا نسأل عنه، وهو إمام يقتدى به.
وقال أبو علي الحسين بن محمد الحافظ: "لم أر مثل محمد بن إسحاق، قال: وكان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة"
وقال ابن السريج: ابن خزيمة يخرج النكت من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمنقاش.
والربيع صاحب الشافعي وحامل فقهه، هو أحد من تفقه عليه ابن خزيمة، قال لبعض تلاميذه: هل تعرفون ابن خزيمة؟ قلنا: نعم، قال: استفدنا منه أكثر مما استفاد هو منا.
قال الذهبي: كان لابن خزيمة عظمة في النفوس وجلالة في القلوب؛ لعلمه ودينه، ولاتباعه لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عنه أيضا عني في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان 
قال ابن كثير عنه: كان بحرا من بحور العلم، طاف البلاد ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم، فكتب الكثير وصنف وجمع، وهو من المجتهدين في دين الإسلام.

"‌‌صحيح ابن خزيمة" ومنزلته العلمية:

صحيح ابن خزيمة كتاب من كتب الحديث النبوي المعتبرة عند أهل السنة والجماعة، ويعتبر بالإضافة إلى صحيح ابن حبان والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري من أهم الكتب التي ألفت في الصحيح المجرد بعد الصحيحين للبخاري ومسلم.
واسم الكتاب الأصلي هو: (مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي بنقل العدل عن العدل موصولا إليه من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار) ويتبين لنا منه أنه مؤلفه ابن خزيمة قد اشترط أنه لا يخرج فيه إلا حديثا صحيحا عنده، رواته ثقات عدول، وإسناده متصل غير منقطع.
قال ابن كثير في "البداية" في ترجمته لابن خزيمة: "كتب الكثير، وصنف وجمع، وله كتاب "الصحيح" من أنفع الكتب وأجلها".
وقال العلائي: "هذا الكتاب من أحسن الكتب المصنفة على الأبواب وأنفسها، وفيه من الموافقات للأئمة الستة شيء كثير جدا؛ لأن ابن خزيمة هذا شاركهم في غالب شيوخهم"
قال الشيخ أحمد شاكر: "صحيح ابن خزيمة" و"المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع"، لابن حبان، و"المستدرك على الصحيحين" للحاكم: "هذه الكتب الثلاثة هي أهم الكتب التي ألفت في الصحيح المجرد بعد "الصحيحين" للبخاري ومسلم". وأضاف قائلا: "وقد رتب علماء هذا الفن ونقاده، هذه الكتب الثلاثة التي التزم مؤلفوها رواية الصحيح من الحديث وحده، أعني الصحيح المجرد بعد "الصحيحين": البخاري ومسلم، على الترتيب الآتي:"صحيح ابن حزيمة"، "صحيح ابن حبان"، "المستدرك للحاكم"، ترجيحا منهم لكل كتاب منها على ما بعده في التزام الصحيح المجرد، وإن وافق هذا مصادفة ترتيبهم الزمني، عن غير قصد إليه.
تعظيمه للسنة:
قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري: "سمعت الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول ما لا أحصي من مرة: "أنا عبد لأخبار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".
وقال أبو زكريا العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول إذا صح الخبر عنه".
وقال أبو عمرو: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: "حرج على كل من سمع مني مسألة يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبر صحيح خلافه لم يبلغني، أو لم أحفظه في وقت جوابي أن يحكي عني تلك المسألة التي خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".
من كراماته:
قال الحافظ ابن كثير في "البداية" في ترجمته لابن خزيمة: "وهو الذي قام يصلي حين وقعت القرعة عليه ليسترزق الله في صلاته حين أرمل هو ومحمد بن نصر، ومحمد بن جرير، ومحمد بن هارون الروياني، وقد أوردها ابن الجوزي من طريقين في ترجمته، وذلك ببلد مصر في دولة أحمد بن طولون فرزقهم الله على يديه".
وذكر الخطيب البغدادي هذه القصة فقال بعد ذكر سنده:جمعت الرحلة بين محمد بن جرير، ومحمد بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر؛ فأرملوا [أي نفد زادهم] ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه؛ فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام؛ فخرجت القرعة على ابن خزيمة؛ فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أصلي صلاة الحاجة؛ فاندفع في الصلاة؛ فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب؛ ففتحوا؛ فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو ذا؛ فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قال: وأيكم محمد بن جرير؟ فأعطاه خمسين دينارا، وكذلك للروياني وابن خزيمة، ثم قال: إن الأمير كان قائلا بالأمس فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم [أي باتوا جياعا]؛ فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم: إذا نفدت فابعثوا إلي أحدكم 
شجاعته الأدبية:
كان ابن خزيمة جريئا لا يخاف الأمراء والولاة ولا يهابهم، قال أبو بكر بن بالويه: "سمعت ابن خزيمة يقول: كنت عند الأمير إسماعيل بن أحمد فحدث عن أبيه بحديث وهم في إسناده فرددته عليه، فلما خرجت من عنده قال أبو ذر القاضي: قد كنا نعرف أن هذا الحديث خطأ منذ عشرين سنة فلم يقدر واحد منا أن يرده عليه، فقلت له: لا يحل لي أن أسمع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه خطأ أو تحريف فلا أرده"
يشرب ماء زمزم بنية العلم النافع:
قال أبو بكر محمد بن جعفر: سمعت ابن خزيمة يقول، وسئل: من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماء زمزم لما شرب له". وإني لما شربت ماء زمزم سألت الله علما نافعا"
زهده:
قال أبو أحمد الدارمي: "قيل له يوما: لو قطعت لنفسك ثيابا تتجمل بها؟ فقال ما أذكر نفسي قط ولي أكثر من قميصين".
وكان له قميص يلبسه، وقميص عند الخياط؛ فإذا نزع الذي يلبسه، ووهبه غدوا إلى الخياط وجاؤا بالقميص الآخر"
قال الإسنوي في "طبقاته": "كان متقللا، له قميص واحد دائما، فإذا جدد آخر وهب ما كان عليه".
وفاته:
توفي ابن خزيمة ليلة السبت الثاني من ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلائمائة وله ثمان وثمانين سنة،  وصلى عليه ابنه أبو النصر، رحمة الله عليه رحمة واسعة.
قال الحاكم في "تاريخه": سمعت أبا سعيد عمرو بن محمد بن منصور ختن أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حضرت وفاة الإمام أبي بكر، وكان يحرك إصبعه بالشهادة عند آخر رمق.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة