- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:ثقافة و فكر
ربما يتخلل الملل والاكتئاب نفوس بعض أبنائنا الطلاب مع عودة المدارس، لا سيما بعد أن كانوا في إجازة صيفية، يلهون فيها بأوقاتهم دون قيود أو عوائق، سواء من سافر منهم لبلد ما أو من بقي منهم في بلده، وإذا ما انقطعوا عن ذلك بالعودة للمدارس يشعرون بالضيق والضجر، وربما شعر البعض منهم بالكره للمدرسة أيضا، ومن هنا وحتى يطرد الطالب عنه وساوس الشيطان هذه، ويقبل على مدرسته بحب وجد ونشاط؛ ينبغي أن يقف مع هذه التوجيهات وقفة تأمل:
أولا: عليك ابني العزيز أن تعرف أن الله تعالى جعل هذه الحياة مواسم، وجعل أيامها دولا، فأنت ترى كيف يأتي الصيف بحره القاتل، ثم يعقبه شتاء ببرده القارص، وبينها ربيع وخريف، تزهر فيهما النباتات والأشجار، ثم تتساقط أوراقها وتذبل، وكذا مواسم الطاعات والعبادات، يأتي رمضان فيجد الناس بالعبادة صياما وقياما، وصدقات وأدعية، حتى إذا ما انتهى رمضان وأخذ الفتور يتخلل بعض النفوس؛ جاء موسم الحج وقبله العشر الأول من ذي الحجة أعظم أيام العام، وفضل العمل الصالح فيها عظيم جدا عند الله تعالى...
وهكذا تتجدد المواسم والأيام كما أراد الله تعالى سبحانه لهذا الكون، وهذا كله رسائل لنا -ابني العزيز- حتى نعلم أنه لا يبقى شيء على ما هو عليه، ومن ذلك انتهاء الإجازة الصيفية والعودة للمدارس، فتذكر أنه محال في خلق الله تعالى لهذا الكون أن يبقى يسير على روتين واحد، فلا تحزن لانتهاء الإجازة والعودة لتكاليف المدارس وقيودها فتلك سنة الله تعالى في خلقه.
ثانيا: عليك ابني العزيز أن تنظر إلى المدارس على أنها طريق تتعلم فيه من علوم الدنيا والآخرة ما يوصلك في النهاية إلى جنة الخلد، ألم تحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر رواه أبو داود.
فأنت في ذهابك للمدرسة تسير في طريق طلب العلم الذي يوصلك للجنة إن أخلصت نيتك لله تعالى، وسواء كنت تدرس علوم الدنيا من رياضيات وكيمياء وعلم أحياء ونحوها من العلوم أم كنت تدرس علوم الشرع من الفقه والتجويد ونحوها؛ فكلها من العلم الذي يوصلك إلى الجنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد العلم بالعلم الشرعي فقط، وإنما قال: من سلك طريقا يطلب فيه علما فأي علم كان مادام أنه علم ينفع في عمارة الأرض التي استخلفنا الله تعالى فيها فهو داخل في هذا الحديث النبوي، ومثل هذا الفضل لطلب العلم وللدراسة ينبغي أن يجعلك تقبل على دراستك بجد ونشاط، تستشعر وأنت ذاهب إلى المدرسة وأنت تستمع لمعلمك وأنت تذاكر دروسك؛ تستشعر أنت تسير في طريق يوصلك إلى الجنة بإذن الله تعالى.
ثالثا: تذكر ابني الفاضل: أن الأمم ترتقي بأبنائها، ولا يستطيع الأبناء الارتقاء بأممهم إلا إذا كانون من أرباب العلم وحملته، كيف لأمة أن تحفظ دينها وتنشره ما لم يكن أبناؤها قد تعلموا ذلك العمل وعملوا على نشره، وكيف لأمة أن ترتقي في مجال التقنيات والبرمجيات إذا لم يكن أحد من أبنائها قد درس تلك العلوم وساهم في تطويرها، وكيف لأمة أن ترتقي في مجال صنع الأسلحة ووسائل الدفاع ما لم يكن أبناؤها قد تعلموا ذلك كله، إلى غير ذلك من وسائل الرقي، ينبغي عليك ابني الحبيب أن تتذكر ذلك وأنت تعود إلى مدرستك وأنت تحضر دروسك؛ أنك ستكون ممن يساهم بعلمه وشهادته في رقي أمته، ورفعتها بين أمم الأرض.
رابعا: ابني الحبيب: تذكر بين يدي عودتك للمدرسة أن أساس رفعة الإنسان وعلوه في الدنيا والآخرة هو علمه، فالمال والجاه وحدهما لا يرفعان الجاهل ولا يعليان من قيمته، إنما الذي يرفع شأن الإنسان ويعلي من قيمته؛ ما يتعلمه من علوم الدنيا والآخرة، بل العلم يبني المجد لك ولأسرتك ولأمتك من بعدك أيضا.
يقول الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]. فالذين يرفعهم الله تعالى هم أهل الإيمان والعلم.
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
العلم يرفع بيتا لا عماد له ... والجهل يهدم بيت العز والشرف
فأقبل ابني الحبيب على مدرستك بكل افتخار ونشاط؛ لأنك تسير من خلالها في طريق المجد والرفعة في الدنيا والآخرة.