العقيدة والاستخارة الرقمية

0 80

لا أحد أعلم بالخير من الله تعالى لعباده، ولا أحد أقدر على اختيار الخير منه وحده سبحانه وتعالى، تلك عقيدة المؤمن بربه جل وعلا. قال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} [القصص: 68]، ولذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم الله أن نستخير الله تعالى فيما يعرض لنا من أمور حياتية التبس فيها علينا الخير من الشر. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني قال: ويسمي حاجته. رواه البخاري.
 
 فالاستخارة تدور حول دعاء الله تعالى وطلب الخير منه، وهي من أسمى العبادات التي تعطي العبودية والربوبية حقهما. يقول ابن القيم: "فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، والخروج من عهدة نفسه، والتبري من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق".
 
وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخيرون الله تعالى في كل أمورهم، وسار على ذلك التابعون من بعدهم والسلف الصالح، حتى إن أحدهم كان يستخير الله تعالى في شراك نعله أيصلحه أم لا، وظل هذا حال المسلمين في صلاة الاستخارة يؤدونها كما علمهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في حديث جابر، إلى أن ظهرت هذه الثورة الرقمية بخيرها وشرها، وكان من شرها ما أحدثته من استخارة رقمية حادت بها عن الاستخارة النبوية. 
 
الاستخارة الرقمية: هي الاستخارة فيما يعرض للمرء من أمور حياتية عن طريق الدخول إلى إحدى مواقع الانترنت، أو التطبيقات الإلكترونية المخصصة لذلك في الجوال، وتتم الاستخارة فيها من خلال اتباع خطوات محددة بعد الدخول إلى الموقع الإلكتروني، أو تطبيق الاستخارة المحمل على الجوال، ثم اختيار نوع الاستخارة هل هي للمتحيرين في أمر الزواج، أم للمقدمين على سفر، أو على عمل جديد، أو غيرها من الأنواع المدرجة في الموقع الإلكتروني أو تطبيق الجوال، وفي بداية الاستخارة قد يطلب من الشخص قراءة شيء من القرآن كسورة القدر مثلا، أو ترديد بعض الأدعية التي تظهر أمامه، ثم يكمل الخطوات من خلال الإجابة على أسئلة أو اختيار إجابة مما يعرض له، وفي نهاية تلك الخطوات تظهر نتيجة الاستخارة سلبا أو إيجابا. 
 
والمتأمل في هذه الاستخارة الرقمية يجد أنها استخارة مخالفة تماما للاستخارة الشرعية، فهي تتم عبر خطوات إلكترونية تخلو من أي مقصد من المقاصد الشرعية للاستخارة النبوية، التي تهدف إلى ربط قلب المؤمن بالله تعالى، وتشعره بافتقاره وحاجته إلى ربه ومعبوده. بل إن هذه الطريقة من الاستخارة تربط قلب العبد بالموقع الإلكتروني أو بتطبيق الجوال، أو بالشيخ الذي يقوم على ذلك الموقع، وتشعره أن موقعه دائما ما يختار له الخير، وكأنه تميمة قد علق قلبه بها فكاد أن يوقع نفسه بالشرك بالله تعالى، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: من تعلق تميمة فقد أشرك رواه أحمد.
 
ولأجل تعلق كثير من الجهلة بتلك الطريقة في الاستخارة قام التنافس والتفاضل بين تلك المواقع والتطبيقات في أيها تكون نتيجة استخارته أفضل من الآخر، وأيها يقدم الاستخارة بالمجان أو بالمال، والأدهى على عقيدة المؤمن في مثل هذه الاستخارة أن بعض تلك المواقع يقوم عليها غير المسلمين باعتبارها عملا تجاريا رابحا.
 
ولذا يجب على المسلم أن يحذر تلك الطريقة في الاستخارة المخالفة لعقيدته، والمخالفة للطريقة التي علمنا إياها نبينا صلى الله عليه وسلم في الاستخارة، فالسنة النبوية في الاستخارة -كما سبق بيانها في حديث جابر- تربط قلب المؤمن بربه، وتشعره بحاجته إلى الله تعالى، لا سيما إن تأمل العبد بالأدعية التي يرددها في استخارته ربه سبحانه وتعالى، ولا تلزمه بقراءة قرآن قبل أو بعد استخارته، ولا يكون فيها دعاء إلا الذي ورد في حديث جابر رضي الله عنه.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة