لتتكاتف الطاقات لإفشال مخطّط الإبادة والتطهير العرقي لأهل غزّة

0 99

بددت المعركة الجارية في غزة أوهاما كثيرة صنعتها إسرائيل، ومنجزات كثيرة تفاخر بها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، إذ استطاعت المقاومة الفلسطينية، بقدرات محدودة، أن تنسف نظرية الجيش الإسرائيلي الجبار الذي لا يقهر، وأن تلحق به إهانة تفوق ما تعرض له أثناء اجتياح أكتوبر الأول قبل 50 عاما. وثانيا: بددت المقاومة نظرية التفوق الاستخباراتي والتقني الإسرائيلي الذي تراكضت دول كثيرة في العالم لشراء برامجه، ومنها حكومات عربية، لتكتشف أن مصير ما اشترته وما روج سلة المهملات. وثالثا: بددت المقاومة الفلسطينية صورة إسرائيل الجبارة التي توفر لمن يتحالف معها الحماية العسكرية والاستراتيجية، فبدت عاجزة عن حماية نفسها، وسكانها، بل سارعت في ضعفها إلى الاستنجاد بالطائرات والبوارج وحاملات الطائرات الأميركية، رغم أنها لا تواجه جيشا منظما، ولا دولا قادرة.
اتسم سلوك الحكومة الإسرائيلية بعد الفشل العسكري بعدة أمور:
أولا: الارتباك الذي ساد فترة من الوقت نتيجة هول صدمة الفشل والإحباط عسكريا وسياسيا واستخباراتيا واستراتيجيا، وهو فشل سيحاسب عليه نتنياهو شخصيا عند تشكيل لجان التحقيق.
ثانيا: محاولة التغطية على الخسارة العسكرية المهينة بانهيار فرقة غزة وكامل الحدود على قطاع غزة، بالتركيز على الخسائر المدنية، والمدنيين. ورغم وقوع إصابات مؤكدة في صفوف المدنيين الإسرائيليين، لجأ نتنياهو إلى سلسلة من الأكاذيب، مثل ادعاء "قطع رؤوس الأطفال" واغتصاب النساء، وهي أكاذيب بدأت تنكشف الواحدة تلو الأخرى، إذ اضطرت صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية للاعتذار عما كتبته عن وقوع حالات اغتصاب، وتراجعت عن تبنيها أكاذيب الناطقين الإسرائيليين. أما مراسلة محطة "CNN" فنشرت اعتذارا عما نشرته على لسان الناطقين الإسرائيليين عن "قطع رؤوس الأطفال"، لأن أحدا لم يستطع إثبات ذلك الادعاء.

حملة مكثفة لوصف حركة حماس بالداعشية، بهدف التمهيد لارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين
ثالثا: العمل على نزع إنسانية الفلسطينيين عموما، ووصفهم كما قال وزير جيش الاحتلال، غالانت، بأنهم "حيوانات بشرية"، وذلك بعد حملة مكثفة لوصف حركة حماس بالداعشية، بهدف التمهيد، كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، لارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، والتي وصفت تصريحات غالانت بالمقززة.
رابعا: احتواء المعارضة الإسرائيلية بإدخال غانتس للحكومة الإسرائيلية، في مشهد يعبر عن اتحاد جميع الأحزاب الصهيونية خلف نتنياهو، وأكد ذلك عدم وجود معارضة إسرائيلية مؤثرة لسياسة الحكومة الإسرائيلية الفاشية، عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
خامسا: تجنيد معظم الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي يحرك رئيسها الدافع لكسب أصوات اللوبي الصهيوني ودعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خلف الرواية الإسرائيلية بكل ما فيها من حقائق وأكاذيب، وبروباغندا سوداء، في مشهد بالغ الغرابة، يوحي، دونما شك، بدوافع عنصرية واستعمارية عميقة.
سادسا: محاولة التعمية على أن جوهر الصراع الدائر وأساسه هو استمرار إسرائيل في تكريس تطهيرها العرقي 70% من الشعب الفلسطيني منذ 75 عاما، ومواصلة الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، والذي تحول إلى منظومة أبارتهايد وتمييز عنصرية، وتشويه ما حدث وكأن الفلسطينيين هم المعتدون، وهم الذين يحتلون أراضي الغير، وأن إسرائيل هي الضحية الأبدية في كل صراع.

لا يخفي الاحتلال نواياه بتسوية غزة بمدنها ومخيماتها وقراها بالأرض، في ظاهرة لم يسبق لها مثيل
سابعا: وهذا هو الأهم، استغلال حكام إسرائيل الأحداث لإخراج خططهم الجاهزة لاستكمال الضم والتهويد لما تبقى من فلسطين، ووضعها في مسار التنفيذ الفعلي. وتجلى ذلك أولا في وقوف نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام من بدء معركة غزة حاملا خريطة إسرائيل على مرأى المجتمع الدولي ومسمعه، وهي تضم جميع الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس والجولان المحتل، وكذلك قطاع غزة الذي طالما ادعت إسرائيل كذبا إنها أنهت احتلاله.
وباشرت إسرائيل، بدعم أميركي بلا حدود، وغربي واسع، وتقاعس عربي رسمي عن الارتقاء إلى مستوى التحدي، تنفيذ أربع عمليات متوازية:
الأولى: حملة منهجية ومنظمة لنزع إنسانية الفلسطينيين، وتبرير ارتكاب جرائم الحرب ضدهم علنا وعن سابق إصرار وترصد.
الثانية: فرض حصار مطلق على دخول المياه والكهرباء والطعام والأدوية والعلاجات، ما سبب كارثة إنسانية وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنها خرق للقانون الدولي، ووصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها جريمة حرب، مسببة واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.
الثالثة: عملية إبادة جماعية عبر قصف وحشي، بهدف تدمير كل البنيان السكني والعمراني، وقتل أكبر عدد من الشهداء الفلسطينيين في عملية انتقامية بشعة وحاقدة، مع تدمير شامل للبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والجامعات والجوامع والعيادات وبيوت الناس. ولا يخفي الاحتلال نواياه بتسوية غزة بمدنها ومخيماتها وقراها بالأرض، في ظاهرة لم يسبق لها مثيل في كل الحروب السابقة، إذ لم يستعمل أسلوب الأرض المحروقة الذي تنفذه إسرائيل سوى ألمانيا النازية عند اجتياحها الأراضي الروسية. وفي الخلاصة، ما ينفذ ليس سوى إبادة جماعية لشعب بكامله.
العملية الرابعة: وهي الأخطر، محاولة ارتكاب نكبة جديدة، وترحيل جميع سكان قطاع غزة إلى مصر، في واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في القرن الواحد العشرين. لم يخف نتنياهو نواياه، إذ رفع، قبل بدء معركة غزة خريطة فلسطين في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي تضم جميع الأرض المحتلة، بما فيها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والجولان المحتل، وأعلن عن بدء المعارك بغية إجبار كل فلسطيني في غزة على ترك منزله. ثم خرج الناطق العسكري باسم الجيش الإسرائيلي ليعلن أن على جميع سكان غزة مغادرة منازلهم والتوجه إلى مصر، ودعم موقفه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الذي طالب مصر بفتح ممر واحد باتجاه مصر لتهجير السكان، من دون القبول بإدخال أي شيء من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

أهم مهمة هي إفشال مخطط الإبادة الجماعية والتهجير القسري لسكان قطاع غزة وتنفيذ تطهير عرقي جديد
وهكذا تبلورت، بوضوح، أهداف حكومة إسرائيل الفاشية: نزع إنسانية الفلسطينيين وتصفية قضيتهم الوطنية، وتصفية المقاومة الفلسطينية، وتنفيذ تطهير عرقي كامل لقطاع غزة، ومن ثم ضمه، بعد تدمير كل بيت فيه، لإسرائيل بترحيل أهل غزة ومنعهم من العودة، ومن ثم الانتقال لمهمة التطهير العرقي في الضفة الغربية. وهذا هو الحل العنصري الاستعماري لمعضلة إسرائيل الديمغرافية، ولحل مشكلة وصمها بالأبارتهايد، عبر ارتكاب نكبة جديدة ضد الشعب الفلسطيني.
لا توجد حاليا مهمة أمام كل القوى المناضلة الفلسطينية، والشعوب العربية، وقوى التضامن العالمية، أهم من إفشال مخطط الإبادة الجماعية والتهجير القسري لسكان قطاع غزة وتنفيذ تطهير عرقي جديد، لأن إفشاله سيهدم مجمل الخطة الصهيونية العنصرية ويبددها، ويفتح باب الحرية والتحرير أمام الشعب الفلسطيني.
كل فلسطيني، وكل عربي، وكل إنسان حر في العالم، مطالب اليوم بالمشاركة في هبة عربية عالمية واسعة لصد الجريمة الإسرائيلية البشعة، والتي لم يسبق لها مثيل... فلتتكاتف كل القوى لإفشال مشروع التهجير والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة