من ثمرات الإيمان بالقدر

0 160

الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان، والذي لا يتم إيمان العبد إلا بها، كما جاء في حديث جبريل المشهور وذلك في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب أن جبريل عليه السلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال جبريل: صدقت).
قال تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر}[القمر:49]. وقوله: {وكان أمر الله قدرا مقدورا}[الأحزاب :38]، وقال: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} [الفرقان:2]. قال: {سبح اسم ربك الأعلى (1) الذي خلق فسوى (2) والذي قدر فهدى}[الأعلى:1-3].

مفهوم الإيمان بالقدر
ومعنى الإيمان بقضاء الله وقدره، أن يؤمن العبد أن كل ما يجري من الأحداث إنما يجري على حسب علم الله القديم، وقضائه المبرم السابق.
وأن مراتب القدر أربعة: الإيمان بأن الله علم كل شيء، وأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ، والإيمان بقدرته القاهرة وإرادته النافذة، وبأنه سبحانه خالق كل شيء لا خالق غيره ولا رب سواه.

ثمرات الإيمان بالقدر
أما ثمرات الإيمان بقضاء الله وقدره، وما يعود على الإنسان عند إيمانه بهذا الركن العظيم فمنافع جمة وفوائد عدة.. فمن ذلك:
فهم معاني أسماء الله وصفاته
ومن المعلوم أن أنفع العلوم، وأفضل الإيمان ما عرف صاحبه بالرحمن وقربه إلي الواحد الديان، والإيمان بالقدر يرسخ في المؤمن معاني أسماء الله وصفاته، وهذا من أهم المنافع..

أولا: الإيمان باسم الله العليم
فمن فهم معنى القدر علم أن علمه سبحانه علم تام لا يعتريه جهل بحال، أحاط بالأماكن والأوقات، والكليات والجزئيات، وهو علم أزلي أبدي، سبق وجود المخلوقات، وأحاط بجميع الموجودات، ولم يخف عنه شيء في الأرض ولا في السموات، لا قبل خلقها ولا بعد إيجادها، وهو شامل لما كان وما يكون وما هو كائن، وما لم يكن لو كان كيف يكون.. {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}[آل عمران:5].

ومن بعض علمه سبحانه العلم بخطرات قلوبنا، وخفايا وخبايا نفوسنا، ومكنونات صدورنا، ووساوس دواخلنا، وهو سبحانه عالم بالنوايا والمقاصد، والظواهر والسرائر {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ۗ ويعلم ما في السماوات وما في الأرض ۗ والله على كل شيء قدير}[آل عمران:29].
فنحذر أن يرى الله من قلوبنا وفي نفوسنا ومن خواطرنا ونوايانا ما لا يحبه، أو من مقاصد أعمالنا ما لا يكون لوجهه أو في غير رضاه.

ثانيا: الإيمان باسم الله القدير
فالإيمان بالقضاء والقدر يورثنا إيمانا بقدرة الله القاهرة، وإرادته النافذة، فإن ما قضاه الله كائن لا محالة، لا يمنعه اعتراض معترض، ولا كراهية كاره، ولا يغيره محبة محب أو إرادة مريد، فهو سبحانه إذا قضى فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.. فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

فإذا علمت أن الأمر كله لله، وأن الخلق كلهم تحت سطوته وسلطانه، لا يخرج أحد عن أمره ولا عن حكمه، اطمأن قلبك إليه، واعتمد قلبك عليه، وانحصر رجاؤك فيه، وخوفك منه، وتوكلك عليه، ولم تؤمل خيرا أو شرا، أو نفعا أو ضرا إلا منه، فلن يكون إلا ما يريده هو سبحانه جل في علاه.

ثالثا: السكينة والرضا
فإن كل ما يحدث بأمره، ولا يقع شيء إلا بإرادته، والقضاء واقع واقع، وما قدره الله لابد ولا محالة كائن، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهاۚ إن ذلك على الله يسير . لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}[الحديد:22ـ23].

فإذا علم العبد أنه لا مفر من الأقدار قاده ذلك إلى التسليم والرضا، أو الصبر، وأما الاعتراض والسخط فنعوذ بالله من ذلك..
فارض فإن من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، كما قال علي رضي الله عنه لعدي بن حاتم وقد رآه حزينا: "يا عدي من رضي بقضاء الله مضى عليه، وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله مضى عليه وحبط عمله".

فإن لم يمكنك الرضا وانشراح الصدر فلا أقل من الصبر؛ فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، قال سبحانه: {وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ۖ وأولئك هم المهتدون}[البقرة].

رابعا: الشجاعة والإقدام
فإن الله كتب الآجال والأعمار، والموت لا يأتي إلا حين قدره الله، فإذا أتى لم يرده حرص حريص، ولا هرب هارب، {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف:34].

فالموت والأجل مقدر محتوم، وله وقت محدد معلوم، لا يقدمه عن موعده شجاعة وإقدام، ولا يؤخره هرب وإحجام.. {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}[آل عمران:154].. {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء:78].
ولما سألوا عليا رضي الله عنه عن سبب شجاعته قال:
أي يومي من الموت أفر ... يوم لا يقدر أو يوم قدر
يوم لا يقــدر لا أرهبـه ... ويوم يقدر لا ينجو الحذر

وهذا خالد بن الوليد الذي حضر المعارك العظام والمعامع الكبار، لما حضرته الوفاة بكى، ثم قال: "لقد حضرت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء"[البداية والنهاية: 10/ 129].

فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وقف مواقف المروءات، ولا تخضع ولا تخنع ولا تذل لمخلوق، ودافع عن الحق ولا تخف في الله لومة لائم.

خامسا: طلب الحلال وترك الحرام
فإن الله قسم أرزاق الناس كما قسم آجالهم، والرزق مقسوم معلوم كما أن الموت مقدور محتوم، وكما لا يمكن لأحد أن يقدم أجلك أو يؤخره لحظة، فكذلك لا يمكن لأحد أن ينقص رزقك أو يزيده شعره، ولن تموت حتى ينقضي عمرك وحتى تستكمل رزقك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي ، أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته)[صحيح الجامع].

سادسا: لا للحسد
فإن الله تعالى هو الذي قسم الأرزاق بعلمه وحكمته، فإياك والاعتراض، فإنما هي قسمة الله لخلقه، واختياره لهم وهو أعلم بأحوالهم وهو العليم الحكيم: {أهم يقسمون رحمت ربك ۚ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ۚ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ۗ ورحمت ربك خير مما يجمعون}[الزخرف:32]. وإذا كان هذا فلماذا يحسد الناس بعضهم بعضا؟.

سابعا: السعي والجد والعمل
فليس معنى الإيمان بالقدر أن يجلس الإنسان ويضع يده على خده ينتظر أمر الله فيه، وإنما هو أمر باعث على العمل، والسعي والجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).. أي اعملوا ولا تتعللوا بالأقدار، وإنما اشغلوا أنفسكم بما خلقتم له وأمرتم به، ولا تشغلوها بما غاب عنها وما لا تقدروا عليه..

اطلبوا الرزق واسعوا إليه بأسبابه وأنت تسعى وتجد، والله يعطي ويوفي {فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى} [ الليل:5-10].

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة