هم العدو.. فاحذرهم

0 0

المنافقون.. شوكة في حلوق المؤمنين، وخنجر في ظهور المسلمين، وطابور خامس يعيش بين ظهراني أهل الإسلام، ويكيدون للدين وأهله من داخله، فهم أخطر من الكفار، لأن العدو الظاهر المتميز أهون من العدو الباطن المخادع الماكر، ومن هنا وجب الانتباه لضررهم، والتحذير من شرهم وخطرهم.
وقد ذكر الله صفاتهم في القرآن الكريم، وأكثر من بيان أحوالهم، وفضح أسرارهم، وخبايا قلوبهم، وخفايا دسهم وخداعهم، ومدى خياناتهم ومؤامراتهم، حتى زاد ذكرهم في القرآن عن ثلاثمائة وأربعين موضعا، وحتى ذكرهم الله في عدة سور كالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة،.. وغيرها.
وفضحهم في سورة "التوبة" حتى سميت بالفاضحة، فعراهم حتى ظهروا للمسلمين، وما زال يقول ومنهم، ومنهم، حتى ظن المسلمون أنه سيسميهم بأسمائهم، وكذلك أنزل سورة خاصة سماها باسمهم هي سورة "المنافقون"، عرف بهم وأعلن فيها صراحة ونصا أنهم هم العدو، كما قال سبحانه: {هم العدو.. فاحذرهم.. قاتلهم الله .. أنى يؤفكون}.
كل ذلك ليحذرهم المؤمنون، ولينتبهوا لهم، ويأخذوا حيطتهم، ولا ينخدعوا بهم.

النفاق الأكبروالأصغر
النفاق في اللغة أصله اختلاف الظاهر والباطن، ومخالفة السر العلن.
والمنافق هو من أظهر للناس خلاف ما يبطن.

والنفاق منه أصغر ومنه أكبر:
فالأصغر منه هو النفاق العملي، وهذا لا يخرج من الملة، وصاحبه في عداد المسلمين، لكنه تشبه بصفات المنافقين،  فإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلام: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر) [متفق عليه].

وصاحب هذا النفاق مسلم، لكن يخاف عليه أن تكثر فيه صفات النفاق حتى يشربها قلبه، وترضاها نفسه، وتصير له سجية حتى يخرج من النفاق الأصغر إلى النفاق الأكبر.

أما النفاق الأكبر فهو: النفاق الاعتقادي، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ويظهر التصديق ويضمر التكذيب، فلسانه لسان المؤمنين وقلبه قلب الكافرين، فهو يعيش في الظاهر كمسلم، وهو في الحقيقة من المجرمين المعاندين.
وهؤلاء المنافقون إنما أعلنوا الإسلام تحصيلا لمنفعة، أو دفعا لمضرة، أو سعيا للطعن في الإسلام من داخله، وإيذاء المسلمين.. {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ۖ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}[البقرة].

وهذا النفاق مخرج من الملة، وصاحبه مخلد في النار، بل هو في الدرك الأسفل منها، كما قال الله: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا}[النساء:145]، ولكنه يعامل في الدنيا على ما يظهره من الإسلام، وأما في الآخرة فهو من أقبح الكافرين.

وهذا التوصيف لهم هو الذي ذكرهم الله تعالى به في القرآن، وأول وصف تقابله في كتاب الله عن المنافقين قوله سبحانه: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ۖ ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}[البقرة].

وقال سبحانه عنهم: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون}[البقرة:14].
أي إذا خلوا إلى أسيادهم من قادة الكفر، وزعماء الشرك، ورؤوس الضلالة، وأكابر المجرمين، وبقية المعاندين قالوا: {إنا معكم إنما نحن مستهزئون}.

وكانوا يشهدون للنبي بالرسالة وقلوبهم مكذبة به، كما قال سبحانه: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ۗ والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}[المنافقون:1].

وقال سبحانه: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ۚ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا}[النساء:142ـ143].
أي لا هم من المؤمنين ولا هم من الكافرين، وإنما تارة هنا وتارة هناك، فلا هم بمؤمنين فيكونون مع أهل الإيمان، ولا كافرين فيكونون مع أهل الكفران، وإنما كالشاة العائرة بين القطيعين.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين؛ تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة)[رواه مسلم].
خطر المنافقين
وهؤلاء المنافقون هم أخطر فئة يمكن أن توجد بين قوم من الأقوام، ووجودها بين المسلمين خطر عظيم، وشر مستطير، والله تعالى حذر المسلمين منهم، ففضح في القرآن أسرارهم، وهتك أستارهم، وجلى للمؤمنين أعمالهم وصفاتهم وأخلاقهم، حتى يكونوا منهم على حذر، ولا يغتر بهم أحد، ولا ينخدعوا بظواهرهم.. ذلك أنهم يعيشون بين المسلمين، ويتعاملون معهم على أنهم منهم، وقد كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وربما يخرج معه منهم جماعة يجاهدون، ويظهرون أنهم يصومون مع المسلمين، ويتكلمون بالكلام المعسول الجميل، ثم إذا أمكنتهم فرصة طعنوا في الله وفي رسوله وفي أحكام الشريعة وفي الدين، وفي المسلمين.

ولذلك حذرنا الله منهم، وأخبرنا أنهم هم العدو على الحقيقة ـ لماذا؟ قال: لأنكم ترون أشكالا وهيئات جميلة، وتسمعون أقوالا طيبة، يلبسون للناس لبوس الضأن على قلوب الذئاب، ينتظرون أي فرصة ليفترسوكم، يدسون السم لكم، وبعض الناس يظن أن كلامهم حق فيتبعوهم ويقبلوا منهم، فيرددون أقوالهم وينشرون شبههم، قال سبحانه: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ۖ وإن يقولوا تسمع لقولهم ۖ كأنهم خشب مسندة ۖ يحسبون كل صيحة عليهم ۚ هم العدو فاحذرهم ۚ قاتلهم الله ۖ أنى يؤفكون}[المنافقون:4].
وقوله سبحانه {هم العدو}، أي كأنه لا عدو غيرهم، والمعنى ـ وإن كان هناك أعداء لكم كثر ـ فإن هؤلاء أشد الأعداء وأخطرهم، فإنهم يأتونكم من حيث لا تحتسبون، ويعملون على تقويض الدين وأنتم لا تشعرون، فكم من علم للإسلام مرفوع قد أنزلوه، وكم من حصن للإسلام حصين منيع قد هدموه، وكم من عدو لكم أعانوه، وكم من مسلم مؤمن قد خذلوه، وكم من شهوة أشاعوها، وكم من شبهة نشروها، فهم يعملون في المجتمع على الإفساد العظيم {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}[البقرة:11ـ12].
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة