- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
"المواساة" خلق نبيل، من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات التي دعا إليها الإسلام، وهو من أخلاق المؤمنين، وجميل صفات المحسنين، يدل على أصالة معدن من تحلى به، وكرم نفسه، ودماثة خلقه، وسمو همته، ورأفته بالناس، وحبه للخير لهم. به تزداد المحبة وتتعمق الأخوة، وتتوطد العلاقات، ويتحقق في الأمة معنى الجسد الواحد.
والمواساة من أخلاق أهل الإيمان وذوي المروءة:
قال إبراهيم بن أدهم: "المواساة من أخلاق المؤمنين"، وقال علي رضي الله عنه: "خير المسلمين من وصل وأعان ونفع"، وقال العز بن عبد السلام: "المواساة في الشدة والرخاء وتسوية الصاحب بالنفس من أفضل أبواب المروءات وحسن العشرة وجميل الصحبة؛ إذ لم يؤثر نفسه على صاحبه، ولم يقدمها عليه، ولا سيما في حق الأقارب والزوجات".
والمواساة: مصدر واسى يواسي... وفي معجم المعاني: "جاء لمواساته: جاء لتعزيته والتخفيف من حزنه ومصابه".
قال ابن مسكويه: المواساة: معاونة الأصدقاء والمستحقين ومشاركتهم في الأموال والأقوات.
والمواساة تدور في معناها حول المشاركة والمعاونة، فالمواساة مشاركة المصاب في مصابة لتفريج همة أو تخفيف مصابه.
وهي أنواع كما قال ابن القيم: المواساة للمؤمن أنواع: مواساة بالـمال ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت[الفوائد:1/171].
المواساة في القرآن
وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بالمواساة حين أمرهم بالتعاون على البر والتقوى، ورغبهم في فعل الخير عامة، فقال سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى}[المائدة:2]، وقال: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}[الحج:77].. وقال: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} [الإسراء: 26].
ووصف الله عباده الأبرار الأخيار الذين استحقوا الفوز بالجنان فكان من صفاتهم: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} [الإنسان: 8-9].
ومن أعظم صور المواساة في القرآن، مواساته سبحانه للمؤمنين بعد وقعة أحد، وبعد أن حدث فيها ما حدث، فأنزل سبحانه يواسيهم في مصابهم قوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} [آل عمران: 139 - 142].
المواساة في السنة
وأما السنة فقد أسهبت في الدعوة لهذا الخلق الكريم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على نشر روح المحبة بين أفراد المجتمع المسلم، وروح التكاتف والتعاون والتعاضد، حتى يتلاحم المجتمع ويتماسك، ويكون أفراده كالجسد الواحد في المشاعر، وكالبنيان المرصوص في التلاحم والاجتماع والوحدة..
فمن ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه، في حديث النعمان بن بشير في الصحيحين: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وفيهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك أصابعه).
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه والمؤمنين إلى التخلق بهذا الخلق الكريم، ويمدح أهله ويثني عليهم؛ كما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم)[متفق عليه]. وهذا من أعظم صور المواساة والتكافل.
وفي صحيح مسلم دعوة عامة لكل مساعدة ومعاونة بين أبناء المسلمين، ولمساعدة بعضهم بعضا، وسعي كل من أستطاع في تفريج هم أخيه وكربته أو التخفيف منها ما استطاع يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
ومن جميل صور المواساة والتعاون ما جاء عن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل!)[رواه مسلم].
يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "لقد كنا ما أحدنا أولى بديناره من أخيه المسلم، ثم ذهب ذلك فكانت المواساة، ثم ذهبت المواساة فكان السلف".
ومن جميل ما قال الشعراء:
إذا جادت الدنيا عليك فجد بهـا
على النـاس طـرا إنــها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت
ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
النبي يواسي أصحابه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مواساة للناس، ومشاركة لهم في همومهم، وسعيا في تفريج كرباتهم، قبل النبوة وبعدها، فقبل النبوة قالت خديجة: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق[البخاري]، وبعد النبوة كان يواسي أصحابه في أمراضهم ومصائبهم، فيعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، ويواسيهم في أزماتهم المالية ومشكلاتهم الاجتماعية والأسرية، ويواسيهم في همومهم ومسؤولياتهم الحياتية. وكذا يواسيهم بجبر الخواطر ومراعاة المشاعر؛ بل ويواسيهم في أهليهم وأبنائهم من بعدهم.
صور من مواساة النبي لأصحابه
ولقد كان النبي أوفى الناس مواساة لأصحابه ومن حوله، فمن ذلك:
ـ مروره صلى الله عليه وسلم بآل ياسر وهم يعذبون، وقوله لهم: (صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة)[البخاري].
ـ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمغيث عند بريرة، وكان مغيث يحبها أشد ما يحب الرجال النساء وكانت تبغضه، فافترقا، فكان يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، قال ابن عباس: "فقال النبي لعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثا؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته؟. قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع. قالت: لا حاجة لي فيه)[البخاري].
ـ ومن صور المواساة عند رسو ل الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يواسي أصحابه في همومهم وانكسارهم ومسؤولياتهم الحياتية كما في حال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما:
جاء في صحيح الترمذي وابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد، لقيني رسول الله، فقال: (يا جابر، ما لي أراك منكسرا؟) قال: قلت: يا رسول الله، استشهد أبي، وترك عيالا ودينا. قال: (أفلا أبشرك، بما لقي الله به أباك)؟، قال: بلى: يا رسول الله، قال: (ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي، تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني، فأقتل فيك ثانية. فقال الرب: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فأبلغ من ورائي، قال: فأنزل الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169].
المواساة بالبكاء
ومن أنواع المواساة: البكاء مع الباكي مشاركة له في همه، وتسلية له عما يجده، فمن ذلك:
ـ ما رواه مسلم في قصة فداء أسارى بدر.. قال عمر رضي الله عنه: "فلما أن كان من الغد، غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكر رضي الله عنه، وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما".
ـ وفي قصة الإفك، قال عائشة: "وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي"[رواه البخاري في صحيحه].
من عجائب المواساة
ومن عجائب المواساة ما ذكره محمد بن مناذر قال: "كنت أمشي مع الخليل بن أحمد الفراهيدي فانقطع شسعي - أي: صار النعل لا يصلح للسير- فخلع نعليه هو أيضا، فقلت: ما تصنع؟ قال: أواسيك في الحفاء".
أي: إذا كنت لا أستطيع أن أعينك بنعلي، فلا أقل من أن أخلع نعلي فنكون في الحفاء سواء.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى استنهاض النفوس، وشحذ الهمم، وتقوية العزائم؛ لبعث هذا الخلق النبيل وإحيائه من جديد لتستعيد جبهتنا الداخلية لحمتها، وتسترجع الأمة سالف قوتها، وتسعى في طريق استعادة مجدها وكرامتها.