- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:ثقافة و فكر
في كتب الأدبي العربي تجد المقطوعات النثرية جنبا إلى جنب مع القصائد الشعرية وكلاهما من الأدب الرفيع ، وهما ضربان من الأدب لكل منهما متذوقوه ومتابعوه، لكن أدب النثر أقرب لأذهان العامة، وأسهل على الناس، وفيه من المباشرة ما ليس في الشعر، فإن الشاعر يشغله بناء البيت الشعري عن الغرض أحيانا؛ بينما صاحب المقطوعة الأدبية النثرية، ينطلق في ميدان أرحب، ومجال أوسع.
فمثلا لو نظرت إلى قول سيد الفصحاء صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر حكما)(رواه أحمد وأبو داوود)، لو نظرت لهذه الجمل المختصرة لوجدت فيها بريقا وسلاسة، ومعنى عميقا وسهلا في آن واحد.
وقد أعطاك انطباعا سريعا وواضحا عن أثر الكلمة الأدبية، وفعلها في النفوس، فكأنها سحر يغشى الجسد فيكون له الأثر البين، والعاقبة الفارقة.
ويصل من خلال العبارة معنى جديد وهو أن الشعر ديوان مبارك؛ فيه الحكمة وخلاصة التجارب، وأنك إن تذوقت الشعر أضفت لنفسك معارف وتجارب، وحكما ستنير لك طريق الحياة وتبصرك بمسالك الدنيا.
وكذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "من أيقن بالخلف جاء بالعطية" فهذه الجملة الأدبية تحمل معنى ضخما، وتعطي القارئ شحنة من المكارم والسخاء وهي على قصرها تغني عن مقال مدبج في فضل الكرم، وعن قصيدة عصماء تتحدث عن الإنفاق.
وقال عبد الله بن الحسن: "من أعظم الخطأ العجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة" هذه العبارات خلاصة الخلاصة، من استوعبها تعلم التأني وقت الحاجة له، وأدرك ضرورة الإقدام حين يصبح متعينا.
وقال آخر: "من طلب المعالي لا يرهب العوالي" فهذه حكمة تفيد طلاب المجد والسؤدد، وتحرك فيهم باعث الجد والعمل والاقبال على الإنجاز.
واسمع مقالة الآخر: "لا تعجلوا بالجواب قبل أن تنتهوا إلى أعقاب الخطاب" ومن خلال ذلك ندرك ضرورة الاتقان، ومعرفة المقاصد، وعدم العجلة عن الغايات، وتعميق النظر في الملمات.
وقال المهدى: "أعدل الناس من أنصفهم من نفسه، وأكثرهم جورا من ظلمهم لغيره"فهذا أيضا من الحكمة الظاهرة، فالعدل ينبغي أن يكون مع الإنسان دوما ولذلك جاء في القرآن: {ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}(سورة المائدة:8).
هذا النثر الأدبي مقسم إلى طبقات، ومصنف إلى فئات، فمنه ما يتكلم عن السياسة، ومنه ما يختص بالقضايا المجتمعية، وأكثره يدور حول الحياة اليومية، وما يهم الإنسان في سعيه بين الناس، ومن تعمق فيه كسب خبرة، وتجربة ثرية، تفيده في علمه ومعاملاته.
وقد تفنن الأدباء في هذه المقطوعات القصيرة، وأتوا بالكلمات الموجزة البليغة، والعبارات اللطيفة الدقيقة، ومن ذلك قول الفاروق رضى الله عنه: "عليك بإخوان الصدق تعيش في أكنافهم؛ فإنهم زينة في الرخاء؛ وعدة للبلاء". هذه الخلاصة الرائعة تعطي الدرس المستفاد، وهو أن الإنسان عليه أن يصحب الأخيار، ويكن مع من تحمد سيرته، الأمين من الأصدقاء، والكامل من الإخوان:
واصحب من الإخوان كل مهتدي
إن القرين بالقرين يقتدي
وكان علي ابن أبي طالب يقول: لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك، وإذا حدثته كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك اتهمك، وإن أنعمت عليه كفرك، وإن أنعم عليك من عليك" وهذه الجملة من الخليفة الراشد تؤكد ضرورة اختيار الأخيار، والسير في ركاب الأبرار، وأهل الفضل من الناس، وأن يترفع الإنسان عن أصحاب المسالك الملتوية، والأخلاق المنحطة.
وقال بعضهم وينسب لابن الحنفية: "أشد الناس زهدا من لا يبالى بالدنيا في يد من كانت، وأخسر الناس صفقة من باع الباقي بالفاني، وأعظم الناس قدرا من لا يرى الدنيا قدرا لنفسه".
وهذا من كمال الاستقامة، أن يكون الإنسان في الدنيا كالغريب والمسافر، همه الوصول إلى الغايات المرضية، والتزود إلى دار المقامة والكرامة.
وقال آخر : "إن تأخير جزاء المحسن لؤم، وتعجيل عقوبة المسيء دناءة، والتثبت في العقوبة ربما أدى إلى سلامة منها، وتأخير الإحسان ربما أدى إلى ندم لم يمكن صاحبه أن يتلافاه"، فهذا في إنزال الناس منازلهم، ومعرفة الفضل لأهل الفضل، وأن لا يكن المرء خبا يتلاعب به الناس، بل يوطن نفسه، وتكن عنده فراسة يعرف بها الخير من الشرير، ويميز بها الصالح من الطالح.
ونختم بقول الحسين بن علي رضي الله عنه: "إن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتتحول نقما، إن المعروف مكسب حمدا، ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا، رأيتموه حسنا جميلا، يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا مشوها تنفر منه القلوب والأبصار".
فهذا تصوير بلاغي للنبل، ومكارم الأخلاق، وهو غاية في الروعة والسبك والجمال.