نِساء بَشَّرَهُنَّ النبيُّ بالجَنّة

0 8

بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم بالجنة، وجاء ذكر عشرة من هؤلاء الصحابة المبشرين بالجنة في حديث واحد، وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عشرة في الجنة: أبو بكر في ‏الجنة، وعمر في الجنة، وعلي وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة وسعد بن ‏أبي وقاص، قال: فعد هؤلاء التسعة، وسكت عن العاشر، فقال القوم: ننشدك الله يا أبا ‏الأعور (كنية سعيد بن زيد) من العاشر؟ قال: نشدتموني بالله، أبو الأعور في الجنة) رواه الترمذي. ومن الصحابة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة: الحسن، والحسين، وعمار بن ياسر، وبلال بن رباح، وعبد الله بن سلام، وعكاشة بن محصن، وثابت بن قيس، وحارثة بن سراقة، وعمرو بن ثابت، وسعد بن معاذ رضي الله عنهم.. وممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة من حضر وشارك في بدر والحديبية، وأصحاب بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة..وكما بشر النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الصحابة بالجنة، فقد بشر كذلك الكثير من الصحابيات بالجنة..

والناظر والمتأمل في سيرة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه أعطى المرأة جانبا كبيرا من اهتمامه وأحاديثه ووصاياه، وكل وصية وأمر ونهي عام في أوامر ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه شامل للرجل والمرأة، إلا أن هناك أعمالا وأحكاما ووصايا لا خلاف في اختصاصها بالمرأة دون الرجل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شقائق الرجال) رواه أبو داود. ومعنى (شقائق الرجال) كما قال ابن منظور والمناوي أنها نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاق والطباع والأحكام. قال العيني: "أي: نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، كأنهن شققن منهم، ولأن حواء خلقت من آدم عليهما السلام". وقال الشيخ ابن باز: "فالمعنى - والله أعلم - أنهن مثيلات الرجال فيما شرع الله، وفيما منح الله لهن من النعم، إلا ما استثناه الشارع فيما يتعلق بطبيعة المرأة، وطبيعة الرجل، وفي الشؤون الأخرى خص الشارع المرأة بشيء، والرجل بشيء، والأصل أنهما سواء إلا فيما استثناه الشارع"..
وقد أحاط النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بالرعاية والعناية، وخصها بالتكريم وحسن المعاملة: أما، وزوجة، وابنة، وقد بلغ من شدة اهتمامه صلوات الله وسلامه عليه وسلم بالمرأة أن أوصى بها في خطبته في حجة الوداع قبيل وفاته بقوله: (واستوصوا بالنساء خيرا) رواه البخاري.
صحابيات بشرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة:
1 ـ خديجة بنت خويلد: أول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وأم أولاده: زينب، وأم كلثوم، وفاطمة، ورقية، والقاسم، والطاهر، والطيب، وهي أول من آمن به وصدقه، وكانت مثلا طيبا للزوجة الصالحة، التي تعين زوجها على أعبائه، وتقف معه بالحب والعون، وهي ممن كمل من النساء، وكان لها في حياته صلى الله عليه وسلم عظيم الأثر، ولها عند الله عظيم الأجر والمنزلة، وكان صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويقول: (إني قد رزقت حبها) رواه مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف)، لا صخب (علو صوت) فيه ولا نصب (تعب)) رواه البخاري.
2 ـ عائشة رضي الله عنها: الصديقة بنت الصديق أم عبد الله (كنيتها) عائشة بنت أبي بكر بن قحافة، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب نسائه إليه، والمبرأة من فوق سبع سماوات. عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها) رواه البخاري. قال ابن حجر: "هي الصديقة بنت الصديق.. مات النبي صلى الله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاما، وقد حفظت عنه شيئا كثيرا، وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة، فأكثر الناس الأخذ عنها، ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئا كثيرا، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها". وقد شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.. عن عائشة رضي الله عنه: (أن جبريل جاء بصورتها في خرقة (قطعة) حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة) رواه الترمذي.. وفي صحيح البخاري عن عمار أنه قال عن عائشة ـ رضي الله عنهم ـ: (إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة). وفي صحيح البخاري - أيضا - أن عائشة اشتكت (مرضت)، فجاء ابن عباس فقال: (يا أم المؤمنين، تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر). ومعنى: (يا أم المؤمنين، تقدمين على فرط صدق) الفرط: من يتقدم القوم إلى المنزل لتهيئة الأسباب، وأضافه إلى الصدق للقطع بوقوعه، (على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر رضي الله عنه)، معناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد سبقاك إلى الجنة وأنت تلحقينهما، فلا تحملي الهم، وافرحي بذلك. قال ابن حجر في "فتح الباري": "فيه أنه قطع لها بدخول الجنة، إذ لا يقول ذلك إلا بتوقيف (أي بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم)"..
3 ـ حفصة بنت عمر: قال ابن حجر: "الستر الرفيع، بنت أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب.. قالت عائشة: هي التي كانت تساميني (تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم". وقال أبو نعيم في "معرفة الصحابة" وابن سيد الناس في "عيون الأثر": "حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.. وكانت رضي الله عنها صوامة قوامة". عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة) رواه الطبراني والحاكم.
4 ـ أمهات المؤمنين:
جميع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا هن زوجاته في الجنة أيضا، ويطلق على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، تكريما لشأنهن وإعلاء لقدرهن، وقد شرفهن الله تعالى بذلك فقال: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}(الأحزاب:6). وقد شهد أهل السنة بالجنة لأمهات المؤمنين، وهذا من عقيدتهم. قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما}(الأحزاب:31): "أي في الجنة، فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى العليين، فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش". وقال أيضا: "أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى عليه وسلم من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزويجها من بعده، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين". وقال ابن تيمية في "الواسطية": "ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة"..
5 ـ فاطمة رضي الله عنها: قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية، والجهة المصطفوية، أم أبيها بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة": "فاطمة الزهراء بنت إمام المتقين رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمية، صلى الله على أبيها وسلم ورضي عنها. كانت تكنى أم أبيها"..
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم (هيئة مشيتها مشية النبي)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض (مات) النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها، فقالت: أسر إلي: إن جبريل كان يعارضني القرآن (يدارسه جميع ما نزل من القرآن ويراجعه معه) كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي (قرب موعد موتي)، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي (أول من يموت من آل النبي بعده). فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة - أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك) رواه البخاري.
6 ـ سمية أم عمار: سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر، كانت ممن يعذب في الله عز وجل أشد العذاب، وهي أول شهيد في الإسلام. قال ابن الأثير في "أسد الغابة في معرفة الصحابة": "من السابقين إلى الإسلام، قيل: كانت سابع سبعة في الإسلام. وكانت ممن يعذب في الله عز وجل أشد العذاب. وروي أن أبا جهل طعنها في قبلها بحربة فقتلها، فهي أول شهيد في الإسلام". عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي عمار وأم عمار وعمار: اصبروا آل ياسر موعدكم الجنة) رواه الطبراني.
7 ـ أم زفر رضي الله عنها (المرأة السوداء التي كانت تصرع):
بشر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة سوداء كانت مصابة بالصرع بالجنة. عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها) رواه مسلم. فكانت تصرع ولا تتكشف، من حرصها على ستر عورتها، وحرصها على الأجر في ذات الوقت رضي الله عنها.. وفي رواية أخرى للبخاري عن عطاء: (أنه رأى أم زفر تلك، امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة). وقد علق العيني في "عمدة القاري" على هذا الحديث قائلا: "الذي يفهم من هذه الرواية التي رواها البخاري أن أم زفر هي المرأة السوداء المذكورة، وبهذا قال الكرماني: أم زفر، بضم الزاي وفتح الفاء وبالراء، كنية تلك المرأة المصروعة، ولكن الذي يفهم من كلام الذهبي في (تجريد الصحابة) أن أم زفر غير السوداء المذكورة، لأنه ذكر كل واحدة منهما في باب، وكذلك يفهم من كلام ابن الأثير: إن أم زفر غيرها".. ومهما يكن من أمر، فسواء أكانت تلك المرأة كنيتها أم زفر أم لا، فهذا لا يترتب عليه شيء في فضلها وأنها من أهل الجنة..
8 ـ أم سليم: الرميصاء بنت ملحان، ويقال لها: الغميصاء بنت ملحان الأنصارية الخزرجية، وهي أم خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه، وهي امرأة عظيمة المواقف والأحداث.. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": " شهدت حنينا، وأحدا، من أفاضل النساء".. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك) رواه مسلم. قال النووي: "هي الرميصاء والغميصاء والمشهور فيه الغين"، وقال ابن هبيرة: "هذا الحديث يدل على تبشير أم سليم بالجنة"..
9 ـ أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها: قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية، أخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، وزوجة عبادة بن الصامت". وأم سليم وأم حرام بنت ملحان من محارم النبي صلى الله عليه وسلم..
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت (زوجة) عبادة بن الصامت، فدخل يوما فأطعمته، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو قال: مثل الملوك على الأسرة - شك إسحاق - قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر (وسط البحر وظهره)، ملوكا على الأسرة (كأنهم مثل الملوك على أسرتهم)، أو: مثل الملوك على الأسرة، فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين. فركبت البحر زمان معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت (ماتت)) رواه البخاري.
قال ابن عبد البر في "التمهيد": "وأما قوله: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله): فإنه أراد، والله أعلم: أنه رأى الغزاة في البحر من أمته، ملوكا على الأسرة في الجنة، ورؤياه وحي صلى الله عليه وسلم". قال النووي: "اتفق العلماء على أن أم حرام كانت محرما له صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة. وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار"..

المبشرون بالجنة من الصحابة كثيرون - من الرجال والنساءـ، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لمعين بجنة ولا بنار، إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكن يرجون للمحسنين لإحسانهم وطاعتهم، ويخافون على المسيئين لذنوبهم وإساءتهم، وهذا الاعتقاد من لوازم ومقتضيات الإيمان، فإن من آمن بالله ربا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، لزمه أن يصدق الله تعالى، ويصدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به، وهذا من حيث التعيين.. قال الشيخ ابن عثيمين: "كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة، وكل إنسان يشهد أنه في النار فهو في النار، وأما من لم يشهد له الرسول فنشهد له بالعموم، نقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، ولا نشهد لشخص معين بأنه من أهل النار، أو من أهل الجنة، إلا بما شهد له الله ورسوله".. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة