لَبَّيْك اللهم لبيك

0 12

توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة هو أساس الدين، وقطب رحاه الذي تدور عليه جميع العبادات والأعمال، فمن أجل التوحيد خلق الله عز وجل الخلق، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات:56). قال عبد الله بن عباس: "أي: ليوحدون". والحاج يبدأ حجه بالتوحيد، ولا يزال يلبي بالتوحيد، وينتقل من عمل إلى عمل بالتوحيد، فالحج شعاره التوحيد من أول لحظة يتلبس به الحاج..
والتلبية -التي هي شعار الحج- والتي كان يلبي بها النبي صلى الله عليه وسلم ويواظب عليها تضمنت إعلان التوحيد، وإفراد الله عز وجل وحده بالعبادة والتوجه والقصد..
والتلبية لغة كما في "لسان العرب" لابن منظور: "إجابة المنادي، وتطلق على الإقامة على الطاعة". والتلبية اصطلاحا: هي قول المحرم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"..
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) رواه البخاري. وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم أهل بالتوحيد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) رواه مسلم.

(لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) أي: أكرر إجابتي لك في امتثال أمرك بالحج، فأنت المستحق للشكر والثناء..
والحكمة من التلبية كما قال ابن المنير: "وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى"..
وتحمل التلبية معان عديدة منها:
ـ (لبيك اللهم لبيك): إجابة لك سبحانك بعد إجابة، وكررت إيذانا بدوام الإجابة واستمرارها..
ـ (لبيك اللهم لبيك): أي انقيادا لك بعد انقياد، وطاعة بعد طاعة، وحبا لك بعد حب..
ـ (لبيك اللهم لبيك): شعار التوحيد، الذي هو روح الحج ومقصده، بل روح العبادات كلها والمقصود منها، وتكرار التلبية هو لتأكيد العبد إجابته لربه، وإقامته على طاعته..
ـ (إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك): أي: أنت سبحانك المستحق للشكر والثناء، لأنك المتفرد بالكمال المطلق، ولأنك المنعم الحقيقي، وما من نعمة إلا وأنت مصدرها، وأنت المتفرد بالملك الدائم، وكل ملك لغيرك إلى زوال، لا شريك لك سبحانك..
ثم إن هذه التلبية مع ما فيها من توحيد لله عز وجل وطاعته والانقياد لأمره، فإنها تتضمن أيضا الاعتراف لله -تبارك وتعالى- بالنعمة كلها، ظاهرها وباطنها، فكل النعم منه وحده لا شريك له، قال الله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}(النحل:53). قال السعدي: "{وما بكم من نعمة} ظاهرة وباطنة {فمن الله} لا أحد يشركه فيها".

التلبية من شعائر الحج، ورفع الصوت بها إظهار لهذه الشعيرة العظيمة، وفيها إعلان التوحيد لله عز وجل، وإذا لبى المسلم فإن النباتات والجمادات تلبي معه بعبودية الله تعالى وتوحيده، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر (الطين المتماسك المتلبد) حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا) رواه الترمذي..

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة