حول ثقافة وأدب الخطيب

0 79

لا شك أن للخطيب في كل أمة دورا محوريا، فهو لسان الأمة والمعبر عن آمال الشعوب، وتطلعات الأجيال، وأما الخطبة فهي مختصر يحدث الناس عن أشواقهم، وكيفية تحقيق آمالهم في عيش رغيد، ولذلك كان لزاما أن يتسلح الخطيب بالثقافة العالية، وأن تكون الخطبة دستورا ونبراسا يقود الناس إلى المعالي، والنجاح.

 فالخطيب يحتاج أول ما يحتاج للثقافة، والأدب، وحلاوة المنطق، قال أمير بن محمد المدري: "وأعلم أخي الخطيب أنه لا يشرح الصدر مثل الكلام الصادق، والبيان الناطق، واللفظ الدافق، والأسلوب السامق، أما كلام الحاكة، وألفاظ أهل الركاكة، فهو حمى الأرواح، في الصدور رماح، وفي القلوب جراح".
وعلاوة على الثقافة والعلم لابد من توافر شروط وآداب في الخطيب يمكن إجمالها في الآتي:
الموهبة:  ينبغي أن يكون الخطيب موهوبا بفطرته عنده منطق جيد، ومعرفة بأساليب الاقناع، ويصقل موهبته بالمطالعة، والمعارف، والآداب، وسعة الباع في ضروب الثقافة، والمعارف الإنسانية.

-الشعور بالمسؤولية: يجب أن يشعر الخطيب بأنه صاحب رسالة يؤديها، ويقصد من خلالها وجه الله، حتى ولو كانت الخطابة وظيفته التي يقتات منها، وذلك لأن صاحب الرسالة يستفرغ كل طاقته في محاولة إيصالها إلى الناس.
والحقيقة إذا ما توفر هذا الشعور في نفس الخطيب فإن النجاح سيكون حليفه.
فالخطيب المسلم له هوية وانتماء يخرجه عن التحزب، والفئوية الضيقة، والنظرة المحدودة؛ لأن الإسلام هو الأصل وهو الأعم والأشمل.
الخطيب الحق شعاره دوما: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}(سورة آل عمران).

- التضلع من علوم التاريخ: فالتاريخ ودراسته يوسع آفاق الخطيب، ويطلعه على أحوال الأمم وسير الرجال وتقلب الأيام بها وبهم، وفيه ترى سنن الله الكونية، وعاقبة الأمم والمجتمعات والحضارات، فالتاريخ مرآة مصقولة تتجلى فيها عاقبة الإيمان والتقوى ونهاية الكفر والفجور، فهو أصدق شاهد على دعوة الرسل وأتباعهم، وقد لفت الله عز وجل في كتابه إلى أهمية القصص والاتعاظ بأحوال السابقين فقال {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل}(سورة الروم)، وقال: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا}(سورة ق)، وقال {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}(سورة يوسف)، والخطيب والداعية إذا أحسن دراسة التاريخ والإفادة منه كان أعون له في تثبيت المعاني والقيم التي يدعو إليها لا سيما إذا تماثلت الظروف وتشابهت الدوافع.

- واقع العالم الإسلامي: فمن القبيح أن يجهل الخطيب أحوال أمته، وواقع عالمه، ولا بد أيضا أن يدرك الخطيب واقع القوى العالمية المعادية للإسلام: فإن تكالب أعداء الإسلام على الإسلام ودعاته أمر لا ينكره إلا مكابر، وتنوع أساليب الأعداء وتبادلهم الأدوار، ومع غفلة الأمة عن إدراك حقيقة الصراع وطبيعته يصبح دور الدعاة وخطباء أمرا لازما لتبصير الأمة بهؤلاء الأعداء وأساليبهم ومؤامراتهم.

- القناعة بما يدعو إليه: أن يكون الخطيب على قناعة تامة بما يدعو إليه، حتى يكون قادرا على الإقناع والتأثير، فالإيمان بقضية ما يجعل صاحبها يدافع عنها بكل ما يملك، فإذا لم يكن الخطيب على قناعة بما يدعو إليه، فلا يستطيع إقناع الآخرين بذلك، فإذا دعا الخطيب في خطبته الناس إلى ترك الغيبة وهو يفعل ذلك، أو دعاهم إلى إلزام بناتهم وزوجاتهم باللباس الشرعي، وبناته وزوجته لا يلتزمن بذلك، إلى غير ذلك، فإن الكثير من الناس سوف لا يلتفتون إلى أقواله ولا إلى خطبه.

-اختيار مواضيع من واقع الحياة: فعلى الخطيب اختيار موضوع الخطبة من واقع الحياة التي يحياها الناس، ومناقشة المشكلات الاجتماعية المتعددة، ومحاولة طرح الحلول لها، أما الموضوعات السلبية التي لا تعالج أمراض المجتمع وعلله المختلفة، فإن الاستفادة منها تكون قليلة. والخطيب الناجح يمتاز بالقدرة على تحليل المواقف، وتركيب الفكرة وتنسيقها، والإيقاع بها في رشد زمانها وطيب مكانها.

-الاتزان وضبط النفس: الاتزان ونعني به الطمأنينة والهدوء، وتجنب إحداث أي حركة في غير محلها، خاصة حركات الجسد، وما يتبع ذلك.

- تحريك الأذهان: من الافتتاحيات المميزة أن يبدأ الخطيب بطرح سؤال لاستدراج الجمهور إلى التفكير، والتعاون معه، إن استخدام هذا السؤال الافتتاحي هو واحد من أبسط وأضمن الطرق لفتح أذهان جمهورك والدخول إليه.
مثاله تطبيقي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذكرك أخاك بما يكره) أخرجه مسلم.
هذه نقاط ليست للحصر وإنما هي للإرشاد، وهي معلومة ومبثوثة في الكتب والموضوعات التي تتحدث عن أدب الخطيب وامكانياته العلمية والمعرفية،  ولا شك أن الخطيب الناجح يراعيها، ويضيف إليها، ما يعزز قيمة الخطبة وفائدتها في مجتمعه الذي هو فيه، ولكن ما يجب التنبيه عليه، وهو محل اتفاق، أن الخطيب يلزمه التجديد، واتساع المعرفة، وجزالة الكلمة.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة