الغطرسة الإسرائيلية التي أنتجت 7 أكتوبر

0 44

من الأهداف الكبرى التي حققتها حركة "حماس" في هذه الحرب، إعادة إحياء القضية الفلسطينية، وإظهار أن الردع الذي تفاخرت به إسرائيل كضمان لأمنها ولمواصلة احتلالها وتغولها الاستيطاني ولتقويض حلم الفلسطينيين بالتحرر الوطني، عرضة للتصدع ما دام النضال الفلسطيني قائما.

وبمعزل عن الأسباب الموضوعية الكثيرة التي أدت لانفجار حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن جميعها تلتقي على سبب جوهري واحد، هو الغطرسة الإسرائيلية. حصيلة ثمانية عقود من الصراع تظهر كيف أن هذه الغطرسة، التي صممت لمعاقبة الفلسطينيين على تبني خيار النضال في مواجهة الاحتلال، هي في الواقع إحدى أكبر نقاط ضعف إسرائيل.

لقد تسببت هذه الغطرسة بأثمان كبيرة للفلسطينيين، لكنها فشلت في إخضاعهم وإجبارهم على التخلي عن خيار النضال الوطني. في المقابل، كان شعور القوة، الذي منحته لمشروع الاحتلال، مخادعا في كثير من الأحيان. فهي من جانب لم تستطع كي الوعي الفلسطيني أبدا. ومن جانب آخر، أوهمت إسرائيل بقدرتها على أن تصبح دولة طبيعية دون الحاجة إلى الانخراط في سلام مع الفلسطينيين على قاعدة حل الدولتين.

وفي نظرة على سياق نزعة الغطرسة الإسرائيلية، فإنها لم تترك خيارا للفلسطينيين للتعبير عن قضيتهم بشكل قوي سوى اللجوء إلى الوسائل باهظة التكاليف عليهم.

في المنعطفات التاريخية الكبيرة التي مرت بها القضية الفلسطينية، اعتاد الفلسطينيون دفع مثل هذه التكاليف. السبب ببساطة أنهم لم يحصدوا سوى الخيبات من الوسائل الأخرى الأقل تكلفة عليهم من حيث الدماء والمعاناة مثل خيار السلام.

بينما تبنت منظمة التحرير خيار السلام أملا بالوصول إليه، فإن إسرائيل وجدت فيه وسيلة أقل تكلفة لإطالة أمد احتلالها الأراضي الفلسطينية، وتوسيع مشروعها الاستيطاني، وتغذية الانقسام الفلسطيني. كل ذلك كان بمثابة وصفة لمواصلة إدارة الصراع بالطريقة التي تفضلها إسرائيل.

نتائج ثلاثة عقود من الصراع منذ أن أبرمت السلطة الفلسطينية اتفاقية أوسلو مع إسرائيل في عام 1993، تثبت أن خيار السلام الفلسطيني المبني على التجرد من النضال لم يؤد سوى إلى إطالة أمد معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال. كما أنه حول منظمة التحرير الوطني من منظمة وظيفتها الوصول إلى التحرير، إلى مجرد أداة لإدارة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.

مع ذلك، فإن العقدة الرئيسية أمام الوصول إلى التحرر الفلسطيني لم تكن في خيارات منظمة التحرير الوطني أو في انقسام الصف الوطني الفلسطيني، بقدر ما كانت في إسرائيل نفسها.

هذه الحقيقة يتجاهل الغرب على وجه الخصوص الإقرار بها. تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لا يقفز على هذه الحقيقة فحسب، بل يستخدم كوسيلة للتغطية على دور الغرب في إطالة أمد معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال، ومضاعفة جاذبية الغطرسة في السياسة الإسرائيلية.

إن محاولة معاقبة الفلسطينيين على الخيارات التي أجبروا على تبنيها من أجل إظهار أن حقوقهم المشروعة بالتحرر لا تسقط بالتقادم، تعمل كوصفة لتعزيز نزعة الغطرسة الإسرائيلية.
ليس المهم اليوم إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن نهج المقاومة والكفاح بمجرد إقامة دولة فلسطينية؛ لأنهم يقاتلون أصلا لتحقيق هذا الهدف. كما ليس من المهم إعادة إنتاج منظمة التحرير إذا كانت هذه العملية ستصمم لخداع الفلسطينيين مرة أخرى بدولة، لا يشير واقع الاحتلال اليوم إلى إمكانية تحقيقها في المستقبل المنظور. بل الأمر الأكثر أهمية من كل ذلك هو إجبار إسرائيل على التخلي عن نزعة الغطرسة.

لقد عززت حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول ثلاث حقائق كبيرة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

الأولى: أن الغطرسة الإسرائيلية لم تؤد سوى إلى إطالة أمد هذا الصراع وانسداد أفق السلام.
الثانية: تعزيز إيمان شريحة واسعة من الفلسطينيين بأن المقاومة حاجة وليست خيارا إذا ما أرادوا الحفاظ على قضيتهم حية.
الثالثة: أن إسرائيل لا يمكن أن تصبح يوما دولة طبيعية تنعم بالأمن ومندمجة في محيطها إذا لم يحصل الفلسطينيون على دولتهم.
إذا لم يتعامل العالم مع هذه الحقائق كما ينبغي بعد حقبة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذه الحرب لن تكون حتما الأخيرة في مسار هذا الصراع.

كما أن الآثار المستقبلية للصراع على الأمن الإقليمي والعالمي ستكون أشد خطورة من الآثار الحالية لهذه الحرب. وفكرة أن إسرائيل قادرة بعد هذه الحرب على إعادة إدارة صراعها مع الفلسطينيين بالطريقة التي فعلتها في الماضي، أصبحت منفصلة عن الواقع الجديد الذي أفرزه 7 أكتوبر/ تشرين الأول.

لقد أمضى كثير من الرؤساء الأميركيين والقادة الغربيين والإقليميين عقودا طويلة في التفكير بالكيفية التي يمكن أن ينتهي بها هذا الصراع.

لكن النقطة الأساسية التي تشكل أرضية مناسبة وأكثر فاعلية للتفكير البناء في مشاريع الحلول للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تبدأ من التركيز على الكيفية التي تعمل على تقليص نزعة الغطرسة في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين؛ لأن ذلك السبيل الوحيد الذي يجعل الإسرائيليين يدركون أن احتلالهم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وأن التكاليف عليهم تتحول مع مرور الوقت إلى تشكيل تهديد وجودي على إسرائيل نفسها.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة