إبراهيم النخعي فقيه العراق

0 3

إبراهيم بن يزيد النخعي أحد الأئمة المشاهير، وهو تابعي من رواة الحديث النبوي الشريف.
كان من أكثر الفقهاء إحاطة بعلم عبد الله بن مسعود حيث أخذ هذا العلم عن خاله الأسود بن يزيد وهو تلميذ ابن مسعود، وعن علقمة ومسروق وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.

كان رحمه الله واسع الاجتهاد دقيق الاستنباط والقياس، بل يمكن القول: إنه مؤسس قواعد مدرسة الرأي بالعراق التي أخرجت أبا حنيفة تلميذ حماد بن أبي سليمان تلميذ إبراهيم النخعي.
وكان من الزهاد والمكثرين من العبادة، واشتهر بصلاح النفس والتقوى مما جعل شأنه عاليا بين الناس، يعظمه الجميع ويقدرون علمه.
نشأته:
ولد إبراهيم النخعي سنة خمسين من الهجرة، ونشأ بالكوفة.
اسمه: إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع، الفقيه، الكوفي، النخعي، يكنى أبا عمران، وأبو عمار.
النخع القبيلة والأسرة
ضبط ابن خلكان نسبه في تاريخه، قال: (ونسبته إلى النخع بفتح النون والخاء المعجمة وبعدها عين مهملة، وهي: قبيلة كبيرة من مذحج باليمن، واسم النخع: جسر بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، وإنما قيل له: النخع؛ لأنه انتخع من قومه-أي: بعد عنهم-) انتهى
حظيت قبيلة النخع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بالخير، فعن عبد الله ابن مسعود قال‏:‏ شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع، أو قال‏:‏ يثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم‏‏ (رواه أحمد والبزار والطبراني وحسن إسناده ابن حجر)
فتفتح الخير فيها علما وتقوى وصلاحا، فأبوه يزيد بن الأسود راوية للحديث، وخالاه الأسود بن يزيد، الصوام القوام الفقيه الزاهد، وعبد الرحمن بن يزيد، محدث مشهور، وعم أم إبراهيم هو علقمة بن قيس، راهب أهل الكوفة عبادة وعلما وفضلا وفقها، هؤلاء هم الذين رعوا إبراهيم، وأحاطوه بالعناية التي كان لها أكبر الأثر في حياته، ولذلك قال الشعبي: (نشأ النخعي في بيت فقه، فأخذ فقههم ثم جالسنا فأخذ صفو حديثنا إلى فقه أهل بيته)، ولكن العناية الكبرى كان قد لقيها من علقمة؛ لأن علقمة كان عميقا، حيث وجد في إبراهيم المؤنس والتلميذ.
وحج علقمة والأسود فاصطحباه معهما إلى الحج، وهو مازال صغيرا لم يبلغ الحلم، فأدخلاه على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الرعاية التي بذلها هذان العالمان الجليلان ـ علقمة والأسود ـ لإبراهيم، كما يدل على اغتنام الفرص المناسبة للاجتماع بأصحاب الفضل من الناس.
قارئ ومحدث وفقيه:
كان النخعي على جانب عظيم من الذكاء، فمكنه ذلك من حفظ القرآن الكريم. حتى كان أحد القراء المشهورين في الكوفة، وحفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حتى صار محدث الكوفة، ورجل الإسناد الذهبي عن ابن مسعود، ووعى الأحكام الفقهية، حتى أصبح فقيه الكوفة غير منازع، بل فقيه العراق، وأحد الذين يشار إليهم بالبنان من فقهاء العالم الإسلامي آنذاك، بل إنه أصبح أستاذا يحمل عنه العلم في سن مبكرة، قال ابن قتيبة في "المعارف" (وحمل عنه العلم وهو ابن ثماني عشرة سنة) رغم وجود علماء عظماء أمثال: الأسود بن يزيد، وشريح بن الحارث القاضي، ومسروق بن الأجدع، وغيرهم.

من جميل صفاته:
كان رحمه الله على جانب كبير من التقوى، كان يصوم يوما ويفطر يوما، كما كان يفرغ وسعه في الصلاة، لأنه يشعر ـ وهو يصلي ـ بأنه يقف بين يدي رب العالمين، وما أثقلها من وقفة لمن استحضر معناها، والنخعي كان يستحضر هذا المعنى، ولذلك كان ينتهي من صلاته متأثرا بعدها، قال الأعمش: (ربما رأيت إبراهيم يصلي، ثم يأتينا، فيبقى ساعة كأنه مريض). (وكان إذا أخذ الناس منامهم لبس حلة طرائف، وتطيب، ثم لا يبرح مسجده حتى يصبح، أو ما شاء الله من ذلك، فإذا أصبح نزع تلك، ولبس غيرها)
وكان يقول رحمه الله: وددت أني لم أكن تكلمت ولو وجدت بدا من الكلام ما تكلمت وأن زمانا صرت فيه فقيها لزمان سوء.
وقال أشعث بن سوار: جلست إلى إبراهيم ما بين العصر إلى المغرب فلم يتكلم، وكان لا يتكلم حتى يسأل، وقد حباه الله تعالى خلقا كريما، فهو لا يشاجر ولا يخاصم أحدا، وفي ذلك يقول: ما خاصمت رجلا قط.
كما كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه، ويقول: اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل.
وكان يتوقى الشهرة فكان يقرأ في المصحف فإذا دخل عليه إنسان غطاه، وقال: لا يراني أقرأ فيه كل ساعة.

نسلم ويسلمون خير من أن نؤجر ويأثمون

قد روى ابن الجوزي في كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) أن الأعمش وإبراهيم النخعي (وكان أعور) سارا في إحدى طرقات الكوفة يريدان الجامع وبينما هما يسيران في الطريق قال الإمام النخعي: يا سليمان! هل لك أن تأخذ طريقا وآخذ آخر؟ فإني أخشى إن مررنا سويا بسفهائها، ليقولون : أعور ويقود أعمش! فيغتابوننا فيأثمون . فقال الأعمش: يا أبا عمران! وما عليك في أن نؤجر ويأثمون؟! فقال إبراهيم النخعي: يا سبحان الله! بل نسلم و يسلمون خير من أن نؤجر ويأثمون .

وفاته

ولما حضرت الوفاة إبراهيم النخعي جزع جزعا شديدا، فقيل له في ذلك، فقال: وأي خطر أعظم مما أنا فيه؟! أتوقع رسولا يرد علي إما إلى الجنة وإما إلى النار، والله؛ لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة. يعني نفسه.
توفي الإمام الكبير إبراهيم النخعي في سنة ست وتسعين من الهجرة، في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة، وهو ابن تسع وأربعين سنة، وقيل: مات وهو ابن نيف وخمسين سنة، وصلى عليه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، ابن خاله.رحمه الله وغفر له.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة