ثلاثة أقسم عليها رسول الله!!

0 0

روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي كبشة الأنماري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر...) الحديث.

رغم أن المؤمنين يصدقون رسولهم صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه من غير قسم ولا حلف، وهذا من مقتضى الإيمان، لا يصح الدين إلا به.. إلا أنه صلى الله عليه وسلم أقسم على هذه الثلاثة الأمور؛ إما تأكيدا لما سيقول، وإما تحفيزا للسامع على فعل ما يقتضيه قوله، وإما لأن الظاهر للناس خلاف ما سيقوله وسيقرره، فلذلك أقسم عليه.

ما نقص مال من صدقة
(ما نقص مال عبد من صدقة)، ذلك أن الظاهر للناس أن الإنفاق من المال ينقصه، فمن كان عنده عشرة آلاف تصدق منها بألف صارت تسعة، وهذا نقص في الظاهر، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطمئن قلوب المنفقين بأن المال لا ينقص، وإنما يبارك الله فيه ويزكيه وينميه ويكثره ويثمره ويدفع عنه الآفات، ويحفظ صاحبه من الهلكات والجوائح، بل ويخلف عليه بما هو خير منه، ويعود عليه بأكثر مما أنفق. كما قال سبحانه وتعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ۖ وهو خير الرازقين}[سبأ:39].
فالصدقة في الحقيقة تزيد المال.. وواقع الحياة يدل على أن المحسنين المنفقين يزدادون ثراء فوق ثرائهم، وغنى فوق غناهم، فضلا من الله ونعمة.

ثم إن المال أيضا يبقى لصاحبه ببركة الله فيه، فيدفع عنه المصائب بهذه الصدقات، ويدفع عن المتصدق مصارع السوء والهلكات، فـ (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات)[رواه الحاكم والبيهقي]. وإذا حفظ الله الإنسان من مهلكات المال والجوائح، وحفظ النفوس من الأمراض والعلل، فإنه بذلك يحفظ عليه كثيرا من المال الذي كان سيفقده أو ينفقه على علاج هذه الأمراض والعلل، وهذا ـ لا شك ـ نوع من البركة والزيادة وتكثير الأموال.

ثم، فوق هذا: فإن الصدقة دليل صدق، وبرهان إيمان، وهي ظل لصاحبها، يستظل به يوم القيامة. ففي الحديث (كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس)[صحيح الترغيب]. وفي حديث السبعة الذين ظلهم الله في ظله، (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)[رواه البخاري].

ثم إن الصدقة أيضا تطهر المال، وتزكي النفس {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}[التوبة:103]، فهي تطهر المال مما يقع فيه من حرام أو شبهة، وهي تزكي النفس من الشح والبخل، {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}[الحشر:9].

وأما الزيادة الحقيقية فهي أن الله تبارك وتعالى ينمي لك صدقتك، ويربيها لك، حتى تصبح اللقمة مثل جبل أحد من الحسنات، ويعطيك على الدرهم سبعمائة ضعف، كما قال سبحانه وتعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ۗ والله يضاعف لمن يشاء ۗ والله واسع عليم}[البقرة:261].
ثم المنفقون. هم المتقون، أصحاب الجنة، والمحسنون، كما أخبر الله عنهم، فقال {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ۗ والله يحب المحسنين}[آل عمران].

ولا زاد عبد بعفو إلا عزا
فالإنسان في حياته يتعرض لمواقف سيئة، وإساءات متكررة، قد تكون كلمة نابية، أو نظرة عابسة، أو همزا، أو لمزا، أو ظلما في نفس أو في مال. وبعض الأذى جرحه غائر عميق، وأثره سيئ أليم، والانتصار للنفس عدل تطلبه النفوس. والله تبارك وتعالى أقر العدل وأخذ الحق والانتصار للنفس بالحق فقال سبحانه: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}[الشورى:41]، وقال: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}[البقرة:194]، وقال: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}[الشورى:40]. وهذا كله يدخل في باب العدل ورد الظلم وأخذ الحق..

ولكنه سبحانه في كل مرة أقر فيها العدل ورد الظلم، رغب في العفو والصفح والفضل.. وجعل مقام العفو، والإحسان، أفضل من مقام الانتصار للنفس والانتقام، ولو بالعدل؛ فقال: {وجزاء سيئة سيئة مثلها ۖ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ۚ إنه لا يحب الظالمين}[الشورى:40]، وقال: {إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ۖ ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}[لنحل:126]، وقال: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}.. لأن العفو عن الناس فيه كمال رجولة، وعلامة مروءة، وطيب نفس، وسلامة صدر، وكظم غيظ، وقبول عذر، وإقالة العثرات، وترفع عن الضغائن والعداوات.

ثم إن العفو فيه عز للنفس، لأنه لا يكون إلا بعد المقدرة، وإلا فإن العفو بغير قدرة إنما هو عجز وخور. فالعافون عزوا مرة بالقدرة على رد الظلم والتمكن من الظالم، ثم عزوا مرة أخرى بقهر النفس وردها عن هواها في الانتقام. 

وهذا من الإحسان الذي يحب الله أهله: {فاعف عنهم واصفح ۚ إن الله يحب المحسنين}[المائدة:13]. وقال: {والعافين عن الناس ۗ والله يحب المحسنين}[آل عمران]. والله سبحانه يعاملهم من جنس عملهم فيغفر لهم ويعفو عنهم ويسامحهم {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}[التغابن:14]. {وليعفوا وليصفحوا ۗ ألا تحبون أن يغفر الله لكم ۗ والله غفور رحيم}[النور:22].

ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر
وأما الأمر الثالث الذي أقسم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أنه ما فتح عبد باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر، والمقصود بالمسألة سؤال الناس، والطلب منهم ـ سواء كان مالا أو حاجة أو غير ذلك ـ أي أن الله تبارك وتعالى يزيد هذا السائل للناس بغير حق، فقرا على فقر، وإن كان معه مال قارون، فإنه يرى أنه فقير محتاج.. وقد رأينا من معه الملايين ولا يزال يتكفف ويسأل ويذل نفسه ويمد يده، ويبذل مروءته، ويريق ماء وجهه.

ولا شك أن سؤال الناس فيه مذلة للنفس، وإهانة للسائل، وإراقة لماء وجهه.. والإسلام يدعو إلى العزة والرفعة، ويحث أتباعه على الجد والاجتهاد، والسعي والعمل، والضرب في الأرض، وطلب الرزق، وينهى عن كل ما فيه تنقيص للنفس أو مذلة أو مهانة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم حبله على ظهره فيأتي بحزمة من الحطب فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)[البخاري].

وأما الذين يتساهلون في الكسب بسؤال الناس فقد حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم.. ففي الحديث المتفق عليه: (من سأل الناس أموالهم تكثرا، فإنما يسأل جمرا فليستقل، أو ليستكثر). 
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع المسلمين على ألا يسألوا الناس شيئا، ويقول (من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا، وأتكفل له بالجنة)[أبو دواد والنسائي].

وهذا الكلام الذي قلناه إنما هو بالنسبة لمن يفعل ذلك بغير حق، وطلبا للزيادة، والتكثر مع غنى وكفاية.. فمن فعل ذلك زاده الله فقرا، وفتح عليه أبوابه فلا يزال يرى الفقر في نفسه وإن كان أغنى الناس.

وأما من بذل جهده، واستفرغ وسعه، ثم ضاقت به أرزاقه عن حاجته وحاجة أهله، فهذا جعل الله له حقا في أموال المسلمين من الزكوات والصدقات. فقال سبحانه: {والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم}[المعارج]، وقال {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}[الذاريات:19]. وقال سبحانه {إنما الصدقات للفقراء والمساكين...} الآية [التوبة:60].
وقال في حديث معاذ حين أرسله إلى اليمن: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)[رواه البخاري ومسلم].

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة