- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أحوال القلوب
مما لا شك فيه أن هناك علاقة وثيقة بين النصر والصبر، فقد قيل: إنما النصر صبر ساعة.
ففي الصبر معاقد النصر، ومرارة الصبر تجلوها حلاوة النصر، وما صبرت أمة فخابت:
والدنيا ميدان صراع كبير، فمنذ جرى على العبد قلم التكليف وهو في صراع لا ينتهي حتى تفارق الروح الجسد، فهو يصارع نفسه الأمارة بالسوء، ويصارع شيطانه الذي يؤزه على الشر أزا، كما يصارع شياطين الإنس وقرناء السوء الذين يريدون به إثما وبغيا، ويصارع الابتلاءات والمصائب والمحن، كما إنه يصارع الأعداء الذين يريدون هزيمته وإذلاله والقضاء عليه، وفي كل هذه الصراعات والمعارك لا يجد العبد ولا تجد الأمة سلاحا بعد الإيمان أقوى من الصبر؛ لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن في الصبر على ما تركه خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا". (الترمذي).
وإن زاد المؤمنين في مواجهتهم لأعدائهم سواء في ميدان المناظرة والمجادلة والحجة والبرهان، أو في ميادين الجهاد والقتال هو الصبر؛ لذا كان من أوائل الآيات التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آيات تأمره بالصبر، في قوله تبارك وتعالى: {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا} (المزمل: 10). وقوله عز وجل في سورة المدثر التي كانت من أوائل ما نزل من سور القرآن: {ولربك فاصبر}(المدثر: 7). وقوله: {فاصبر على ما يقولون}(طه: 130).
وعند مواجهة هؤلاء الأعداء في ساحات الوغى وميادين الجهاد والقتال يحتاج المجاهدون إلى الصبر حتى يتحقق لهم النصر، وقد نبه الله عباده إلى هذه الحقيقة فقال: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}(البقرة: 249). وقص الله علينا من نبأ الأمم السابقة ما يبين أهمية الصبر في ساحات القتال، فقال: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فهزموهم بإذن الله}(البقرة: 250-251). فإن القوم حين قاتلوا عدوهم سألوا الله تعالى أن ينزل عليهم صبرا وأن يثبت أقدامهم فلا ينهزموا أمام عدوهم، فاستجاب الله لهم، وصبروا أمام عدوهم حتى نصرهم الله تعالى.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على التحلي بالصبر في قتال عدوهم فيقول: "أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا"(البخاري).
ولا شك أن الأمة التي أمرها ربها بالصبر في أكثر من تسعين موضعا في كتابه الكريم لجديرة أن تتحلى به، خصوصا عند مقارعة الأعداء، وعندئذ سيكون النصر حليفها وإن طال الزمان: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين. وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}(آل عمران: 146-148).
إن الحياة صراع بين الحق والباطل، ويفوز في هذا الصراع من كان أطول نفسا وأكثر تحملا، قال تعالى:{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}(الفرقان: 20).
والله عز وجل يبتلي عباده ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}(محمد: 31).
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (ثم ذكر أعظم امتحان يمتحن به عباده، وهو الجهاد في سبيل الله، فقال: { ولنبلونكم } أي: نختبر إيمانكم وصبركم، { حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } فمن امتثل أمر الله وجاهد في سبيل الله لنصر دينه وإعلاء كلمته فهو المؤمن حقا، ومن تكاسل عن ذلك، كان ذلك نقصا في إيمانه).
وقد أمر الله عباده المؤمنين بالصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى وبين لهم أنه طريق الفلاح فقال: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}(آلأ عمران: 200).
قال صاحب الظلال: (فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر، والدفع بالدفع، والجهد بالجهد، والإصرار بالإصرار.. ثم تكون لهم عاقبة الشوط بأن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء. وإذا كان الباطل يصر ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشد إصرارا وأعظم صبرا على المضي في الطريق).
وإذا كان أهل الباطل وأعداء المؤمنين يوصي بعضهم بعضا بالصبر على باطلهم: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم}(ص: 6). {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها}(الفرقان: 42). فحري بأهل الحق أن يكونوا أشد صبرا، خصوصا أنهم يوقنون بوعد الله تبارك وتعالى: {فاصبر إن العاقبة للمتقين}(هود: 49).