قبل دخول رمضان

0 2

دارت الأيام، وانقضى العام، وها هو شعبان يوشك على الذهاب، وها هو رمضان يكاد يطرق الأبواب.
لقد اقترب رمضان حتى تنشقت أنوف المحبين شذا عطره، وحركت قلوب المشتاقين نسائم أنسه، وداعبت ذكريات العابدين نفحات قدسه، ولم يعد أمام أعينهم إلا رمضان، وبلوغ رمضان.

هل أعددت نفسك
لم يعد بيننا وبين هذا الضيف الكريم والزائر العزيز إلا أيام قلائل، فهل أعددت نفسك، وهيأت قلبك، لاستقباله؟
هل استحضرت نيتك، وعقدت عزمك على ما ستفعله في رمضان؟
هل حددت أهدافك، ورتبت أوقاتك، وأحكمت خطتك؟
هل هيأت بيتك ونفسك وأهلك وولدك، لتكونوا جميعا عند نهاية رمضان من الفائزين المقبولين، وممن أعتقت رقابهم من النار؟

إن رمضان فرصة ومنحة، فهل دعوت ربك أن يبلغك إياه، فقد كان السلف رضوان الله عليهم يدعون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم إياه.. فالآجال لا يعلمها إلا الله، وكم من إنسان كان معنا في رمضان الماضي لن يكون معنا في هذا العام، وكم من إنسان تمنى لقاء الشهر فما أتى حتى كان قد أدخل ظلمة القبر، فاللهم بلغنا رمضان بكرمك ومنك.

هل استحضرت نيتك، وعقدت عزمك، وعاهدت ربك على عمارة رمضان بالطاعات وفعل الخيرات وترك السيئات، وعلى أنك إن بلغته ستبذل كل جهدك وتستفرغ كل وسعك في استغلال جميع الأوقات في رضا رب الأرض والسموات؟
فإن لم تكن فعلت فمن الآن، فإن الأعمار بيد الله، والإنسان لا يدري متى ينتهي عمره، ويأتيه أجله، والقواطع والشواغل والصوارف كثيرة، وربما يعرض للمرء ما يمنعه، فإذا كان شيء من هذا قامت النية مكان العمل، والمرء يبلغ بنيته ما لا يبلغه بعمله، وفي الأحاديث الصحيحة (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، و(من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)؛ فاستحضر نيتك، وأكد عزيمتك، وسل الله التوفيق والسداد.

لزوم التوبة
إن من أعظم ما نستقبل به رمضان هو التوبة الصادقة النصوح.. وعلامة صدقها:
. الإقلاع عن الذنب حالا.
. والندم على ما فرط وسبق إشفاقا وإجلالا.
. والعزم على عدم العود استقبالا.
. ورد الحقوق إلى إصحابها، إن كانت في حقوق الخلق.

ثم علامتها: كثرة الإلحاح على الله، والطرق على بابه، وإظهار الافتقار والانكسار بين يديه، والتضرع إليه أن يتقبلها منك، ويغفر لك، ويعفو عنك.
فإن الذنوب من أعظم أسباب التي تورث الحرمان، وتعقب الخذلان، وتقطع صاحبها عن طاعة الرحمن؛ فإنها تضعف القلب وتوهن البدن، وتجعل بين العبد وبين الله وحشة وجفوة وقسوة، فلا يجد لذة العبادة، ولا حلاوة الطاعة، ولا أنس المناجاة {‏‏وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}[النور:31].

ومن المهم قبل دخول رمضان، تعلم أحكام الصيام وفقه القيام، ومراتب الأعمال، حتى يتم لك صومك، ويكمل لك أجرك، ولا تقع في محظور يبطل عليك صومك، أو ينقص عليك أجرك، أو يذهب ثوابك.

من المهم قبل رمضان أن تعود نفسك وتدربها على الصيام والصيام وقراءة القرآن، فتصوم في  شعبان حتى تسترجع بهما ذاكرة الصيام، وتحضر مصحفك، وتجعل لك بعد العشاء ركعات تعينك بعد ذلك على القيام.

من المهم أيضا، تعويد النفس على قلة الكلام، وقلة المنام، وقلة الطعام.
فإن كثرة النوم في رمضان تضيع على صاحبها كثيرا من العمل والأجر والثواب.
والكلام في غير الطاعات يحرم الإنسان من النطق بالذكر والأوراد والتسبيحات، فاشغل لسانك بالحق حتى لا يشغلك بالباطل، وحركه بالذكر حتى لا يتحرك باللغو، واحذر الغيبة والنميمة والفحش فإنها تذهب بأجر الصائم أو أكثره..
وعجلت إليك رب لترضى
اجعل شعارك في رمضان {وعجلت إليك رب لترضى}، واجعل هدفك الذي تنشده، ورايتك التي تبتغيها، وعلمك المرفوع الذي تقصده، أن تكون أول السابقين إلى الله، فلا يسبقك إليه أحد، فهذا كان حال كل واحد من السابقين الأولين إذا سمع {وسارعوا} أو {سابقوا} اعتبر نفسه المخاطب بهذا الأمر دون غيره.

واعلم ـ أيها الموفق ـ أن الأمر جد لا هزل، فجد واجتهد أن تكون من أهل الصيام الحق والقيام الصدق لتكون من المقبولين الفائزين.
بلغنا الله وإياكم رمضان، وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة