الإيمان بالقدر من أسرار السعادة

0 1

الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، فقد ورد في حديث جبريل -عليه السلام- المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". (رواه مسلم). والإيمان بالقدر هو الاعتقاد الجازم بأن كل ما يحدث في الكون هو بتقدير الله وعلمه السابق، وأن كل شيء يجري بمشيئته وحكمته وعدله، سواء كان مما يحبه العبد ويرضاه، أو مما يكرهه ويجده صعبا على نفسه.

أثرالإيمان بالقدر في تحقيق السعادة
إن الإيمان بالقدر هو أحد المفاتيح العظيمة للسعادة والرضا، لأن المؤمن عندما يوقن أن الله قد كتب كل شيء بحكمة وعدل، فإنه يتوكل عليه ويسلم أمره له، فيزول عنه الهم والقلق. وتنبعث في القلب الطمأنينة والراحة.
فالمؤمن بالقدر يعلم أن كل ما يصيبه هو بقدر الله، وأن الله لا يقدر إلا الخير لعباده. يقول الله -تعالى-: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد: 22).
هذه الآية تطمئن المؤمن بأن كل ما يحدث مكتوب في كتاب عند الله، ولا يقع إلا بعلمه وإرادته، مما يدفعه إلى الرضا بالقضاء، وعدم الحزن المفرط على ما فاته أو الخوف مما سيأتي.

الإيمان بالقدر يزيل القلق من المستقبل
من أعظم مصادر الشقاء لدى الإنسان خوفه من المستقبل، وتفكيره الدائم في المجهول. لكن الإيمان بالقدر يجعل المؤمن يعتمد على الله، ويعلم أن ما كتب له سيصيبه، وأن الله يدبر الأمور بحكمته. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان". (رواه مسلم).
هذا الحديث يعلمنا أن المؤمن يأخذ بالأسباب المشروعة، ولكنه لا يأسف على ما فات أو يخاف مما لم يحدث بعد، لأن كل شيء تحت تقدير الله وحكمته.

الإيمان بالقدر يعزز الرضا عند المصائب
المصائب جزء من حياة الإنسان، لكن المؤمن يراها بمنظور مختلف عن غيره. فهو يعلم أن البلاء من عند الله، وأنه فرصة للتطهير من الذنوب ورفع الدرجات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". (رواه مسلم).
بهذا الفهم العميق، يعيش المؤمن سعيدا مطمئنا، لأنه يعلم أن الذي يصيبه هو خير له حتى الألم.

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا"، وذلك ليقينه التام أن كل شيء يجري بقدر الله.
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "علمت أن رزقي لن يأخذه غيري، فاطمأن قلبي".
هذا القول يدل على أن المؤمن يثق بأن أرزاقه وأقداره بيد الله وحده، فلا يتكالب على الدنيا ولا يقلق بشأن الرزق.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "الإيمان بالقدر يثمر في القلب الرضا بالله ربا، ويطفئ نار التسخط، ويزيل غبار الشك والاعتراض".

كيف نغرس الإيمان بالقدر في حياتنا؟
قراءة القرآن وتدبر آياته
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تؤكد على أن الله هو المدبر والمقدر لكل شيء. مثل قوله -تعالى-: {وكان أمر الله قدرا مقدورا} (الأحزاب: 38).

التعرف على أسماء الله وصفاته
معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته، مثل: "العليم"، "الحكيم"، "الخبير" و"اللطيف" و"الرحيم"، وبقية الأسماء الحسنى والصفات العلى، تجعل العبد يثق في أقدار الله، ويعلم أنها كلها خير وإن لم يدرك الحكمة منها.

الدعاء والاستعانة بالله
على المسلم أن يدعو الله دائما بأن يرزقه الإيمان بقضائه وقدره، وأن يرضيه به. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأسألك الرضا بعد القضاء" (رواه النسائي).

التفكر في حكم الله في المصائب
حينما تصيب الإنسان مصيبة، عليه أن يتذكر أن فيها حكمة من الله، فقد تكون تكفيرا للذنوب، أو رفعة في الدرجات، أو وقاية من شر أكبر.

إن الإيمان بالقدر هو السر الحقيقي للسعادة والطمأنينة في هذه الحياة. فمن علم أن الله هو المدبر الحكيم، وأن كل ما يجري هو وفق علمه وعدله وحكمته، عاش راضيا مطمئنا، لا تهزه المصائب، ولا تضعفه تقلبات الأيام. وكلما زاد إيماننا بأن الله يدبر شؤون حياتنا بحكمة ولطف، شعرنا بالراحة والأمل مهما كانت التحديات.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة