- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
القرآن كتاب الله، وهو أصل دين الإسلام وأسه، وهو مصدر التشريع الأول ومنبع الهداية، وقد أودع الله فيه العلم والمعرفة والعقائد والعبادات، والتشريع والأخلاق والمعاملات، والأمر والنهي، والقصص والوعظ، وأصول ما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويأباه، وما فرط الله فيه من شيء {ما فرطنا في الكتاب من شيء}[الأنعام:38].
ولا شك أن السنة صنو القرآن، وهي وحي الله إلى رسوله كالقرآن، وفيها بيان الكتاب وما حواه، وتفصيل ما أجمله، وتوضيح ما أبهمه، وتقييد ما أطلقه، وتخصيص ما عممه، وقد جعل الله في السنة بيانا لكل ما أراده الله في كتابه؛ كما قال سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}[النحل:44].
والمقصد أن الإنسان لا يبلغ مراد الله من كتابه ووحيه إلا بالفهم والتدبر، والتفكر والتأمل، لا بمجرد التلاوة والقراءة، ومن ثم كان تدبر القرآن وفهمه من أعظم أبواب الهداية؛ ففيه أصول الإيمان، وحدود العبادات، وأصول المعاملات، وقواعد الأخلاق، وأصول علوم الاقتصاد والاجتماع وغير ذلك مما يحتاجه الناس لضبط أمور دينهم ودنياهم على أكمل وجه وأحسنه: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا}[الإسراء:9].
ومن هنا لزم تدبر القرآن وتفهمه، والوقوف عند معاني آياته ومقاصد بيناته، وقد أمر الله المؤمنين بذلك ودلهم عليه في كتابه فقال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}[ص:29]، وقال: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}[محمد:24]، وقال سبحانه: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}[النساء:82]، وقال تعالى: {أفلم يدبروا القول}[المؤمنون:68]، أي: أنهم لو تدبروا القرآن لأوجب لهم الإيمان ولمنعهم من الكفر والعصيان، فدل ذلك على أن تدبر القرآن يدعو إلى كل خير ويعصم من كل شر.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة القرآن ويبين لهم ما فيه من العلم والعمل، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "لقد عشنا دهرا طويلا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم، فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل". يعني قراءة سريعة ليس فيها تأمل ولا تدبر.
وقد وصف الله القرآن بأنه أحسن الحديث، وأنه تعالى ثنى فيه من الآيات، وردد فيه القول ليفهم، وأن جلود الأبرار عند سماعه تقشعر خشية وخوفا فقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد}[الزمر:23].
وهذا الخشوع وتأثر القلب عند القراءة لا يكون مع الجهل، وإنما يكون مع العلم والفهم.. قال أحمد بن أبي الحواري: "إني لأقرأ القرآن وأنظر في آية، فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا المناجاة لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا".
القيام به وكثرة ترديده
ولقد أوردت لنا كتب الحديث والمناقب والتواريخ والسير حال النبي صلى الله عليه وسلم، وحال أصحابه، وحال أهل العلم والفقه والعبادة على مدار الأوقات، وكيف كانوا يتلون القرآن يتلذذون به، ويرددون آياته ـ خصوصا في قيام الليل ـ يتأملون ويتدبرون:
ففي المسند وسنن النسائي وصحيح ابن ماجة عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها).. والآية {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}[المائدة:118].
وجاء عن تميم الداري رضي الله عنه أنه قام ليلة حتى أصبح، يقرأ آية من كتاب الله عز وجل ويبكي {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}[الجاثية:21].
وعن صفوان بن سليم قال: قام تميم الداري في المسجد بعد أن صلى العشاء فمر بهذه الآية {ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون}[المؤمنون:103، 104]. فما خرج منها حتى سمع أذان الصبح.
وبات الحسن البصري ليلة يردد قوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}[النحل: 18] إلى الصبح، فلما سألوه لم رددها، قال: إن فيها معتبرا، ما إن ترفع طرفا، ولا ترده إلا وقع على نعمة، وما لا نعلم من نعم الله أكثر.
وقد تكون آية عن ذكر الجنة ونعيم أهلها أو النار وشدة عذابها، فيكررها القارئ منهم خوفا وطمعا، كما حدث مع عائشة رضي الله عنها، وأختها أسماء، رواه عباد بن حمزة عن أسماء قال: "دخلت على أسماء وهي تصلي، فسمعتها وهي تقرأ هذه الآية {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}[الطور:27] فاستعاذت، فقمت وهي تستعيذ، فلما طال علي أتيت السوق ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ. ومثل هذا رواه عروة عن خالته عائشة رضي الله عنهما.
وقال يحيى بن عبد الرحمن: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} [يس:59] حتى أصبح.
وهذا كثير في الصحابة والتابعين وأهل الفضل والخوف والمعرفة بالله تبارك وتعالى.
الخوف من الغفلة والإعراض
وقد خوف الله عباده من هجر القرآن وعدم قراءته، وعدم تدبره والانتفاع به، أو الإعراض عنه فقال: {وقد آتيناك من لدنا ذكرا (99) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا (100) خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا} [طه: 99ـ 101].
وقال أيضا: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه: 123ـ 126].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به، فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين"[مجموع الفتاوى262/5 :].
فحق القرآن على كل مسلم: أن يعظمه، ويقدره حق قدره، ويتلوه حق تلاوته؛ بتدبر آياته، والتفكر والتعقل لمعانيه، وبالعمل بما يقتضيه؛ إذ ليس شيء أنفع له من هذا، كما قال ابن القيم رحمه الله: "فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر؛ فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه، فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن"[مفتاح دار السعادة: 1/187].
وإن مما يعين العبد على التدبر
. حفظ كتاب الله، فهو يجعل المسلم يستحضر الآية وأشباهها وما يتعلق بها، فيكون أدعى للفهم والعلم بمعانيها ومقاصدها.
. كثرة التلاوة: للقرآن عموما، والمداومة على ذلك بترتيب ورد يومي.
. القراءة بتؤدة وتأن، بترتيله وعدم السرعة والهذرمة، ولا يكن همك آخر السورة، قال الحسن البصري: "يا ابن آدم، كيف يرق قلبك وإنما همتك آخر السورة؟
وقال رجل لابن مسعود: إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله "هذا كهذ الشعر! إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع".
. كثرة الترديد للآيات: وتكرار الآية أكثر من مرة، أو حتى عشرات المرات، حتى يستقر معناها في القلب، كما ذكرنا عن السلف.
. قراءة التفاسير: لضبط الفهم وعدم الخروج عن المعنى الصحيح إلى معان أخرى باطلة، وأما النظر والتفكر في معان جديدة تحملها الآية فلا بأس بذلك.
. القيام به بالليل؛ قال تعالى: {إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا}.. قال ابن عباس: "هو أجدر أن يفقه القرآن". فهي أدعى للفهم، وأصفى للقلب، وأقرب للإخلاص، وابعد عن مشاغل الحياة.